الأيمــان

آداب و أحــــــــــــكام

 

الحمد لله، نحمـده، ونستعينه، ونستغفره، ونــــــعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهــــده الله؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هادي له .

 و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله. وبعد :

 

فاليمين بالله عبادة من العبادات ، فيه تعظيم للخالق ـ سبحانه و تعالى ـ ، و فيه تأكيد للأخبار و الإنشاءات التي تحتاج للتأكيد ، وقد أمر الله ـ سبحانه و تعالى ـ نبيه ـ صلى الله عليه و سلم ـ بالقسم في مواضع ثلاثة من كتابه تأكيدًا للخبر فقال : {و يستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين  } [ سورة يونس : 53 ]

وقال : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} [سورة سبأ: 3]

وقال : {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن} [ سورة التغابن : 7 ]

·       فاليمين بالله معظمة و لذا نهى المكلف أن يسرع إليها كلما عنَّى له أمر ، أو أراد أن يمنع نفسه من البر أو التقوى أن يقسم به قال تعالى : { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ سورة البقرة : 224 ] .

·       و قد أمر الله بحفظ الأيمان إذا ما وقعت قال تعالى : { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } [ سورة المائدة : 89 ]

·       و أمر سبحانه بعدم نقض اليمين إذا ما عقدت قال تعالى :  { {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [ سورة النحل : 91]

والمراد من نقض الأيمان هنا عدم الوفاء بها .

·       و الكذب في اليمين كبيرة من كبائر الإثم سواء كان الحلف على ماض أو حاضر أو مستقبل .

و أعظم ذلك أن يحلف اليمين كذبًا ليروج به سلعته إن كان بائعًا ، أو يقتطع بها حق امرئٍ مسلم .

قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ سورة آل عمران :77 ]

وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال :[ جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله ما الكبائر ؟

 قال : « الإشراك بالله » .

 قال : ثم ماذا ؟

قال : « ثم عقوق الوالدين » .

 قال : ثم ماذا ؟

قال : « اليمين الغموس » .

قال : قلت : وما اليمين الغموس ؟

قال : « الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب » .] رواه البخاري (6920 )

و عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : [ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم ( ثلاثًا ) .

قال أبو ذر :خابوا وخسروا ، من هم يا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ؟

قال :

 ـ المسبل إزاره

ـ والمنفق سلعته بالحلف الكاذب

 ـ والمنان عطاءه . ] رواه مسلم ( 106 ) ، و أبو داود ( 4087 ) ، و النسائي ( 2563 ) و الترمذي ( 1121 ) ، و ابن ماجه ( 2208 ) .

و يمكن تصور أحكام اليمين و أقسامه بتصور أركانه التي ينبني عليها ، و شرائط تلك الأركان التي يجب أن تتصف بها .

 

أركان اليمين أو القسم و شرائطها:

و أركان اليمين أو القسم أربعة أركان :

1ـ المقسِم

2ـ أداة القسَم

3ـ المقسَم به ، أو له

4ـ المقسم عليه .

 

 

الركن الأول : المقسِم : وهو صاحب اليمين أو القسم ، و من شرائطه حتى تنعقد يمينه :

1ـ أن يكون مميزًا ، و سن التمييز عند الفقهاء سبع سنوات ، فإن كان غير مميز فلا تنعقد يمينه .

و لا تجب الكفارة في يمين المميز إذا حنث بل تستحب لأنه غير مكلف ، فلا تجب الكفارة بالحنث إلا على البالغ .

2 ـ أن يكون عاقلاً ، فالعقل مناط التكليف ، فإن كان مجنونًا لا تنعقد يمينه .

و دلي هذين الشرطين حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [ رفع القلم عن ثلاثة :

ـ عن النائم حتى يستيقظ

ـ وعن المبتلى حتى يبرأ

ـ وعن الصبى حتى يكبر . ] رواه أبو داود (4398) ، وابن ماجه (2041)، والنسائي في "الكبرى" (5596) .

3 ـ أن يكون مختارًا ، فإن كان مكرهًا فلا تنعقد يمينه .

4 ـ أن يكون ذاكرًا ليمينه ، فإن حلف ناسيًا فلا تنعقد يمينه .

و دليل هذين الشرطين حديث  ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « إن الله وضع عن أمتي : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ».رواه ابن ماجه (2123) .

و تقدير المحذوف في الحديث بدلالة الاقتضاء على الراجح حكم فيكون المعنى ، إن الله وضع عن أمتي حكم و إثم الخطأ ، و النسيان ، و ما استكرهوا عليه .

5 ـ أن يكون قاصدًا لليمين ، فإن كان مخطأ بأن أراد كلامًا فأخطأ بذكر اليمين ، فلا تنعقد اليمين لما مر من الحديث السابق .

و إن جرى اليمين على لسانه دون أن يقصد عقده فلا تنعقد اليمين لقوله تعالى : { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }[ سورة البقرة : 225 ] .

قال ابن كثير : ((أي لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية، وهي التي لا يقصدها الحالف بل تجري على لسانه عادة من غير تعقيد ولا تأكيد . ))

6 ـ أن يكون عالمًا بالحكم ، و المراد إجمالاً و هو أن الله عظم اليمين و أوجب الصدق و الوفاء بها .

 

الركن الثاني : أداة القسم : و أدوات القسم ثلاث : الباء ، و الواو ، و التاء .

فالباء : أوسعها استخدامًا في اللغة ، فإنها تدخل على الاسم الظاهر فتقول : بالله ، و بالرحمن

 و تدخل على الاسم المضمر تقول : به أقسم ، وأحلف به

ويذكر معها فعل القسم فتقول : أقسم بالله ، أحلف بالرحمن

 و يحذف معها فعل القسم فتقول : بالله لأصلين جماعة .

و الواو : أكثرها استعمالاً على ألسنة الناس و إن كانت أقل استخدامًا في اللغة ، فهي لا تدخل إلا على الاسم الظاهر فلا تدخل عل المضمر تقول : والله لأفين بالوعد

 و لا يذكر معها فعل القسم .

و التاء : أقل حروف القسم استخدامًا في اللغة فهي لا تدخل إلا على لفظ الجلالة كقوله : { وتالله لأكيدن أصنامكم } [ سورة الأنبياء :57 ]

و قد تدخل على لفظ الرب كقولك : ترب الكعبة أو البيت لأصومن النوافل .

 

الركن الثالث : المقسم به أو له :

أما المقسم به : فيشترط لانعقاد القسم أن يكون بأسماء الله الحسنى ، أو صفة من صفاته العُلى ، فإن كان القسم بغير الله فلا ينعقد اليمين .

و القسم بغير الله لا يجوز ، و هو من شرك الألفاظ لحديث  ابن عمر - رضي الله عنهما ـ أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه .

 فناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفًا فليحلف بالله ، وإلا فليصمت » . رواه البخاري (6108 ) ، و مسلم ( 1606 ) .

و عن سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع رجلًا يقول : لا والكعبة.

فقال ابن عمر : لا يحلف بغير الله .

فإنى سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : « من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ».رواه الترمذي (1620) .

و إن أقسم بغير الله تعظيمًا للمقسم به كتعظيم الله فهذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة بلا خلاف .

·      

و من الأقسام التي تدور على ألسنة الناس أيضًا :

الحلف بآيات الله : و هذا يحتمل معنيين : آيات الله يعني كلامه ، و آيات الكونية كالشمس و القمر ، و النجوم ...

 فإن أراد بآيات الله القرآن فهو جائز فهو كلام الله و هو صفة من صفاته ، و أراد آيات الله الكونية فهي مخلوقة فلا يجوز الحلف بها ، و هذا من شرك الألفاظ كما مر .

الحلف بالنبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ، و العرش ، و الكعبة و غيرها : وهذا من القسم بغير الله ـ سبحانه وتعالى ـ فلا يجوز ، و لا تنعقد به اليمين و هو من الشرك الأصغر لحديث ابن عمر السابق .

الحلف بالأمانة و الذمة و نحوهما : هو أيضًا من الحلف بغير الله فلا يجوز لحديث بُريدَةَ - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ حَلَفَ بِالأمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا )) رواه أبو داود (3253) .

 

 

·       أما المقسم له : فقد عدا بعض أهل العلم هذا القسم من جملة الأيمان ، و عليه فإنه داخل في هذا الركن فهو قسم منه .

 و هو أن يلتزم شيئًا لله إن فعل كذا ، أو ترك كذا ، كأن يقول عليَّ أو يلزمني الطلاق أو العتاق إن فعلت كذا أو تركت كذا ـ فصورته صورة نذر اللجاج و قد سبق الحديث عنه في المقال السابق ( النذر أحكام و آداب ) ـ وهو قول الحنفية و إحدى الروايتين عن أحمد و هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .

قال شيخ الإسلام "مجموع الفتاوى ، جمع الشيخ عبد الرحمن بن القاسم " ( 33 / 125 ، 126 ) : ((النوع الثاني " أيمان المسلمين. فإن حلف باسم الله فهي أيمان منعقدة بالنص والإجماع وفيها الكفارة إذا حنث.

وإذا حلف بما يلتزمه لله كالحلف بالنذر والظهار والحرام والطلاق والعتاق مثل أن يقول: إن فعلت كذا فعلي عشر حجج، أو فمالي صدقة، أو: علي صيام شهر، أو: فنسائي طوالق: أو عبيدي أحرار، أو يقول: الحل علي حرام لا أفعل كذا، أو الطلاق يلزمني لا أفعل كذا وكذا. أو إلا فعلت كذا. وإن فعلت كذا فنسائي طوالق، أو عبيدي أحرار ونحو ذلك؛ فهذه الأيمان أيمان المسلمين عند الصحابة وجمهور العلماء وهي أيمان منعقدة.

وقال طائفة: بل هو من جنس الحلف بالمخلوقات فلا تنعقد.

 والأول أصح وهو قول الصحابة؛ فإن عمر وابن عمر وابن عباس وغيرهم كانوا ينهون عن النوع الأول.

وكانوا يأمرون من حلف بالنوع الثاني أن يكفر عن يمينه ولا ينهونه عن ذلك فإن هذا من جنس الحلف بالله والنذر لله . ))

ثم قال : ((والصحيح أن هذه الأيمان كلها فيها كفارة إذا حنث ولا يلزمه إذا حنث لا نذر ولا طلاق ولا عتاق ولا حرام.

 وهذا معنى أقوال الصحابة فقد ثبت النقل عنهم صريح بذلك في الحلف بالعتق والنذر، وتعليلهم وعموم كلامهم يتناول الحلف بالطلاق وقد ثبت عن غير واحد من السلف أنه لا يلزم الحلف بالطلاق طلاقًا كما ثبت عن طاووس وعكرمة وعن أبي جعفر وجعفر ابن محمد

. ومن هؤلاء من ألزم الكفارة وهو الصحيح.

 ومنهم من لم يلزمه الكفارة.

 فللعلماء في الحلف بالطلاق أكثر من " أربعة أقوال "

 قيل: يلزمه مطلقا؛ كقول الأربعة.

 وقيل: لا يلزمه مطلقًا؛ كقول أبي عبد الرحمن الشافعي وابن حزم وغيرهما.

وقيل: إن قصد به اليمين لم يلزمه وهو أصح الأقوال؛ وهو معنى قول الصحابة " اليمين ". ))

 

ومن الصور المحرمة لهذا النوع ( المقسم له ): أن يلتزم ملة غير الإسلام

كالحلف بالحرام من الدين أو بالبراءة من الإسلام : فمن حلف أنه حرام من دينه أو بريء من الإسلام إن فعل كذا و كذا فإن كذب فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الكبائر ، و إن صدق فلن يرجع للإسلام سالمًا لحديث بُريدَةَ - رضي الله عنه -  قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : من حلف، فقال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبًا فهو كما قال، وإن كان صادقًا فلن يرجع إلى الإسلام سالمًا )) . رواه أَبُو داود  ( 3258) ، والنسائي (3772 ) ، وابن ماجه (2100).

الحلف على ملة غير الإسلام : كأن يقول هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا ، أو إن ترك كذا من الإثم العظيم لحديث ثابت بن الضحاك ـ رضي الله عنه ـ قال رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا، فهو كما قال . » رواه البخاري (1363) ، و مسلم (176) .

و لا كفارة له فهي يمين غير منعقدة ، و عليه أن يتوب إلى توبة نصوحًا .

 

الركن الرابع : المقسم عليه : فهو ينقسم في الجملة إلى قسمين :

الأول : أن يقسم على مشروع فإما أن يكون واجبًا ، فيجب عليه الوفاء بيمينه و يحرم علي الحنث ، و إما أن يكون مستحبًا فيستحب له الوفاء باليمين ، و يباح له الكفارة ، و إما أن يكون مباحًا فقد يكون غيره خير منه فيستحب له أن يكفر عن يمينه و يأت الذي هو خير لحديث أبى موسى الأشعري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها ، إلا كفرت عن يميني ، وأتيت الذي هو خير »  رواه البخاري (  6718 ) ، ومسلم (1649) ، وأبو داود (3276) ، وابن ماجه (2107) .

الآخر : أن يقسم على غير مشروع كترك واجب أو فعل محرم ، فهذا يحرم الوفاء به ، و تجب الكفارة .

       

    كفارات الأيمان : 

المراد بالكفارة في باب الأيمان ما يخرج الحانث من يمينه ، و الإجماع منعقد على أنه لا تجب إلا بالحنث .

قال ابن عبد البر في الاستذكار ( 5 / 197 ) : (( فإن الكفارة لا تتعلق باليمين عند الجميع ، وإنما تتعلق بالحنث . ))

فإذا حنث في يمينه أخرجته الكفارة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية "مجموع الفتاوى ، جمع الشيخ عبد الرحمن بن القاسم " ( 35 / 251  ) ((  وكانوا في أول الإسلام لا مخرج لهم من اليمين قبل أن تشرع الكفارة . ))

و الكفارة مشروعة بالكتاب و السنة ، و قد انعقد الإجماع عليهما ، فأما الكتاب فقوله تعالى : {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[ سورة المائدة : 89 ]

و أما السنة فمنها حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : (( من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها ، فليكفر عن يمينه و ليأت الذي هو خير )) رواه مسلم ( 1650 ) .

و قال ابن المنذر في الإجماع ( ص 137 ) : (( و أجمعوا على أن من حلف باسم من أسماء الله تعالى ، ثم حنث أن عليه الكفارة . ))

·       و اليمين التي تدخلها الكفارة هي ما توفر فيها شروط أربعة:

1ـ أن تكون باسم من أسماء الله ، أو بصفة من صفاته ، فإن كانت بغير ذلك فلا تدخلها الكفارة .

2ـ أن يقصد بها المكلف اليمين فتلك اليمين المنعقدة ، فإن كانت لغوًا فلا تدخلها الكفارة .

3ـ أن تكون على أمر مستقبل ، فإن كانت على أمر ماض فإما أن يكون صادقًا ، أو ظانًا صدق نفسه فأخطأ ،فلا تدخلها الكفارة ، أما إن كان كاذبًا فتلك اليمين الغموس على قول ، و الصحيح أنها لا تدخلها الكفارة  .

قال ابن المنذر في الإشراف ( 7 / 117) : (( وقال الحسن: إذا حلف على أمر كاذبًا متعمدًا، فليس فيه كفارة.

وهذا قول مالك، ومن تبعه من أهل المدينة.

وبه قال الأوزاعي ومن وافقه من أهل الشام.

وقول الثوري وأهل العراق.

وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، وأصحاب الحديث، وأصحاب الرأي من أهل الكوفة.

قال أبو بكر:

وقول النبي- صلى الله عليه وسلم - من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأتِ الذي هو خيرٌ، وليُكفّر عن يمينه".

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: فليكفر عن يمينه، ويأتِ الذي هو خيرٌ".

يدل على أن الكفارة إنما تجب فيمن حلف على فعل يفعله فيما يستقبل فلا يفعله، أو على فعل ألا يفعله فيما يستقبل، فيفعله.

وفي هذه المسألة قول ثان: وهو أن يكفر، وإن أثم وعمد الحلف بالله كاذباً، هذا قول الشافعي .

قال أبو بكر: ولا نعلم خبراً يدل على هذا القول، والكتاب والسنة دالان على القول الأول.))

4 ــ ألا يستثني في يمينه ، فإن استثنى خرج من يمينه بلا كفارة .

و الاستثناء أن يقول : إن شاء الله ، كأن يقول : والله لا أفعل كذا إن شاء الله .

لحديث ابن عمر قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « من حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك غير حنث ».

رواه أبو داود (3264 ) ، والنسائى (3793) ، والترمذي ( 1616 ) ، وابن ماجه (2105) .

وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ : { فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ . } .

و الاستثناء الرافع للكفارة ما اتصل باليمين لفظًا ، فإن استثنى في نفسه لم ينفعه الاستثناء .

قال ابن المنذر في الإشراف (7 / 120 ـ 121 ) : ((ولا يكون الاستثناء بالقلب، وإنما يكون مستثنى باللسان، لقوله: "فقال: إن شاء الله.

وهذا قول مالك بن أنس، والثوري، والأوزاعي، والليث ابن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.

وممن حفظنا عنه أنه قال: لا يكون مستثنى حتى يظهر الاستثناء بلسانه، الحسن البصري، والنخعي، وحماد، والثوري، والكوفي

، وأحمد، وإسحاق وهو يشبه مذهب الشافعي، وأبي ثور.))

فإن اجتمعت تلك الشروط في يمين ، وحنث المكلف فيها وجبت الكفارة ، و إن تخلف منها شرط فلا تجب .

قال ابن هبيرة في الإفصاح ( 2 / 231 ) : (( و أجمعوا على أن اليمين المنعقدة هو :

أن يحلف على أمر من المستقبل أن يفعله أو لا يفعله ، فإذا حنث وجبت الكفارة . ))

 

بم يكفر الحانث  ؟

كفارة اليمين تنقسم في الجملة إلى قسمين على الترتيب ، فلا ينتقل من القسم الأول إلى الآخر إلا بالعجز .

القسم الأول :  الحانث في يمينه مخير فيها بين خصلة من ثلاث :

1 ـ عتق رقبة مؤمنة .

2 ـ إطعام عشرة مساكين ، من أوسط طعامه .

3 ـ كسوة عشرة مسكين ، و يجزئ فيها ما يسمى كسوة كسراويل ـ بنطلون ـ ، أو قميص ...

القسم الآخر : مرتب على القسم السابق فإن عجز عن خصاله انتقل إليه ، و هو صيام ثلاثة أيام

قال تعالى : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ }[ سورة المائدة : 89 ]

 

متى يكفر عن يمينه ؟

أجمع أهل العلم على أن الكفارة عن اليمين بعد الحنث مجزئة ، و ذهب بعض أهل العلم إلى جوازها عند إرادة الحنث قبل وقوعه ، و هو الصحيح لحديث أبى موسى الأشعري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها ، إلا كفرت عن يميني ، وأتيت الذي هو خير »  وقد تقدم قريبًا .

وموضع الشاهد فيه تقديم الكفارة على الحنث .

 

هذا ما يسر الله عرضه في هذا المقال ، و هو يجمع جُلَّ أحكام اليمين فله الفضل وحده فيما فيه من إصابة و توفيق ، و أسأله سبحانه أن يغفر لي زللي ,وخطئي إنه نعم المولى و نعم النصير .