أدلــــــــــــــــة التشــــــــــــــــريع

 

* أجمعت الأمة على أنه لا حاكم إلا الله ـ عزَّ و جلَّ ـ قال تعالى:

(( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ )) الأنعام: ٥٧

وقال : (( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ )) غافر: ١٢

* إذ قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إخبار عن الله ، فلا حاكم على الحقيقة إلا الله ، ولا حكم إلا ما حكم به ، ولا شرع إلا ما شرعه لنا والأدلة على ذلك كثيرة منها:

قوله تعالى : (( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ )) المائدة: ٤٩

* و يُعرف حكم الله ـ تعالى ـ بإخبار الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن رَبِّه سواء أ كان المخبر به وحيًا متلوًّا وهو القرآن أو غير متلو و هو السنة ، ويدل على ذلك قوله تعالى:

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )) النساء: ٥٩

* فالرد إلى الله ـ عزَّ و جلَّ ـ رد إلى كتابه الكريم ـ القرآن ـ ، والرد إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ رد إلى سنته المشرفة ، فالكتاب و السنة وحيان من عند الله ـ تعالى ـ لقوله تعالى : (( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى )) النجم: ٣ - ٥

* و السنة إنما هي تبيان للكتاب العزيز قال تعالى : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) )) النحل: ٤٤

و قوله : (( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) )) النحل: ٦٤

* فالكتاب و السنة هما الأدلة الأصلية ، وغيرها من أدلة التشريع ، سواء المتفق عليها بين جمهور الأمة : كالإجماع و القياس

* أو المختلف فيها : كسد الذرائع ، و الاستحسان ، و قول الصاحب ، و شرع من قبلنا ، والعرف ، والاستصحاب ، و الاستقراء ، وغيرها تبعية.

** و الأدلة التبعية لا تستقل بتشريع الأحكام ، بل ترجع إلى أحد الدليلين الأصليين : الكتاب أو السنة ، فتستند عليهما في إثبات التشريع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و هذا إحصاء لطيف لأدلة التشريع المتفق عليها و المختلف فيها من كتابي : مناهج العلماء في الاحتجاج بالوحيين بتصرف يسير ـ يسر الله طبعه ـ ( ص 9 إلى 37 )

و قد حذفت الحواشي .

عدَّ القرافي أدلة التشريع استقراء في تنقيح الفصول تسعة عشر دليلاً [ شرح تنقيح الفصول ( ص 472 ، 473 ) والذخيرة ( 1/149 ) .

و هناك خلاف بين لفظه في شرح التنقيح ، وبين لفظه في التنقيح المطبوع في أول الذخيرة وما سقته هو لفظه من الذخيرة ] قال:

(( فأما أدلة مشروعيتها : فتسعة عشر بالاستقراء . )) ثم ذكرها.

وقد تبعه على ذلك نجم الدين الطوفي فعدها تسعة عشر دليلاً حاصرًا أدلة الشرع فيها ، وذلك عند شرحه لحديث لا ضرر ولا ضرار [التعيين في شرح الأربعين ( ص 237:280) ] ، وقد ضمنه بحثًا عن المصلحة ، نشره الشيخ جمال الدين القاسمي ، وقد كتب عليه حاشية أوضح فيها ما يحتاج إليه القارئ من غموض لفظ ، أو إجمال عبارة ، وقد شرح فيها ما دق معناه من الأدلة المختلف فيها .

و قد نشرت الرسالة بحواشيها مجلة المنار [( المجلد 9 / بداية من صفحة 745 إلى صفحة 770 ) نسخة مصورة ،لدار مكتبة ابن تيمية] ، قال الطوفي ( 9 / 746 الطبعة السابقة ):

((اعلم أن أدلة الشرع تسعة عشر بابًا بالاستقراء لا يوجد بين العلماء غيرها

أولها : الكتاب .

وثانيها : السنة .

وثالثها : إجماع الأمة .

و رابعها : إجماع أهل المدينة.

و خامسها : القياس .

و سادسها : قول الصحابي .

و سابعها : المصلحة المرسلة .

و ثامنها : الاستصحاب .

و تاسعها : البراءة الأصلية .

و عاشرها : العادات .

الحادي عشر : الاستقراء .

الثاني عشر : سد الذرائع .

الثالث عشر : الاستدلال .

22الرابع عشر : الاستحسان .

الخامس عشر : الأخذ بالأخف .

السادس عشر : العصمة .

السابع عشر : إجماع أهل الكوفة .

السابع عشر : إجماع العترة عند الشيعة .

التاسع عشر : إجماع الخلفاء الأربعة .

وبعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه ومعرفة حدودها ورسومها والكشف عن حقائقها وتفاصيل أحكامها مذكور في أصول الفقه . ))

ولم يرتض القاسمي في حاشيته حصره للأدلة في هذا العدد فقد قال الطوفي : ((لا يوجد بين العلماء غيرها )) وهذا ما لم يقله القرافي ـ وقد أخذ الطوفي هذا الحصر منه ، ونقل الأدلة بحروفها إلا في تعبير القرافي عن الدليل العاشر : بالعوائد ، فقال الطوفي : العادات ـ وعد ستة و عشرين دليلاً غير ما ذكره القرافي و الطوفي فبلغت جملة الأدلة خمسة و أربعين دليلاً لم يدع حصر الأدلة فيها.

قال القاسمي في الحاشية ( ص 746 الطبعة السابقة ):

(( هذه الجملة زادها على القرافي وليته لم يزدها ؛ لأنه يوجد لديهم غيرها كما يظهر لمن سبر كتب الأصوليين والذي استقرأته منها مما يزيد على ما ذكره ستة وعشرون ، وهي :

شرع من قبلنا إذا لم يُنسخ

والتحري

والعرف

والتعامل

والعمل بالظاهر أو الأظهر

والأخذ بالاحتياط

والقرعة

ومذهب كبار التابعين

والعمل بالأصل

ومعقول النص

وشهادة القلب

وتحكيم الحال

وعموم البلوى

والعمل بالشبهين

ودلالة الاقتران

ودلالة الإلهام

ورؤيا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

والأخذ بأيسر ما قيل

والأخذ بأكثر ما قيل

وفقد الدليل بعد الفحص

وإجماع الصحابة وحدهم

وإجماع الشيخين

وقول الخلفاء الأربعة إذا اتفقوا

وقول الصحابي إذا خالف القياس

والرجوع إلى المنفعة والمضرة ذهابًا إلى أن الأصل في المنافع : الإذن ، وفي المضار : المنع

والقول بالنصوص والإجماع في العبادات والمقدرات وباعتبار المصالح في المعاملات وباقي الأحكام ، وهو للطوفي المصنف

فالجملة خمسة وأربعون دليلاً وسنذكر ما دقّ معناه منها ، فانتظر .))

وقد ذكرها الدكتور أنور شعيب في كتابه : شرع من قبلنا ، ط : مجلس النشر العلمي ،

ط : الأولى ، من ( ص 20 إلى ص 23 )، و جعل الدليل الأخير دليلين ـ وهو لم يصرح بالنقل ، لكونه تصرف في النقل بعض تصرف ، لكني توقعت استفادته منهما لما وجدت تطابقًا بينهم غالبًا ـ ثم زاد عليهما :

1 ـ القياس الاقتراني .

2 ـ القياس الاستثنائي .

3 ـ قياس العكس .

4ـ الاستدلال على فساد الشيء ، بعدم الدليل على صحته .

5 ـ الِاسْتِدْلَال على فَسَادِ الشَّيْءِ بِفَسَادِ نَظِيرِهِ.

6 ـ الِاسْتِدْلَال على عدم الحكم بعدم الدليل .

7ـ التعلق بالأولى .

8 ـ الهاتف الذي يعلم أنه حق .

و لم يذكر من الأدلة التي ذكراها أربعة من الأدلة :

1 ـ الاستدلال .

2 ـ العمل بالأصل .

3 ـ الأخذ بأكثر ما قيل .

4 ـ إجماع الصحابة وحدهم .

وقد زدت عليهم عشرة من الأدلة و هي :

1 ـ القراءة الشاذة .

2 ـ إجماع العشرة.

3 ـ فقد الشرط .

4 ـ وجود المانع .

5 ـ الأخذ بأخف الضررين .

6 ـ القياس التمثيلي .

7ـ وجود المقتضِي ، و انتفاء مُدْرك الحكم .

8 ـ الخروج من الخلاف .

9 ـ إطباق الناس من غير نكير .

10 ـ دلالة السياق .

، وقد ذكر الزركشي من الأدلة المختلف فيها في البحر المحيط ( 4 / 320 إلى 405 ) واحدًا و عشرين دليلاً .

فتكون الأدلة المختلف فيها بين أهل العلم على هذا الإحصاء ثمانية و خمسين دليلاً .

 

وبعض هذه الأدلة قد يدرج تحت بعض ، و بعضها مكرر ، وبعضها لا يحتج به على الصحيح ، على أني لم أرد بذلك الحصر ، ولم أقصد إليه بل أردت بيان أن الحصر الذي يذكر في بعض المصنفات مبني على استقراء ناقص . و الله أعلم .