ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان
• قبل إيراد ما صح في فضل ليلة النصف من شعبان لابد من التنبه لأمور :
ـ أن العبادات توقيفية فلا يجوز إحداث عبادة من العبادات إلا لدليل .
ـ قد يرد في بعض نصوص السنة فضلٌ لبعض الأيام و الليالي من العام ، و لا يرد مع ذلك في تخصيصها ببعض العبادات دليل كمثل ما ورد في فضل الجمعة ، و مع ذلك فقد نهى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ عن تخصيص ليلتها بقيام أو يومها بصيام .
ـ أن عمل أهل العلم بالحديث الضعيف في الفضائل ليس على إطلاقه ، و إنما ذلك مشروط بشروط ليس هذا محلها .
ـ لم يصح في تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام ، أو تخصيص يومها بصيام حديث صحيح ، أما حديث عليٍّ ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها . فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا .
فيقول ألا من مستغفر لي فأغفر له ألا من مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر . )
رواه ابن ماجه (1388) فهو حديث موضوع لا يحل روايته إلا لبيان ضعفه .
ففيه : ابن أبي سبرة ، واسمه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة .
قال فيه أحمد بن حنبل وابن معين : يضع الحديث.
ـ كل حديث ورد في دعاء ليلة النصف أو بعدد معين فيها من الصلوات فشديد الضعف لا يعمل به .
* من الأحاديث شديدة الضعف في هذا الباب :
1 ـ «يا علي من صلى ليلة النصف من شعبان مئة ركعة بألف قل هو الله أحد قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة».
2 ـ «من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة قل هو الله أحد بعث الله إليه مئة ألف ملك يبشرونه».
3 ـ «من أحيا ليلة العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه في يوم تموت القلوب .
• ثانيًا ما صح في فضل ليلة النصف :
قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
” يطلع الله على خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن “
قال الألباني في السلسلة الصحيحة ( 3 / 135 ) بتصرف :
حديث صحيح ، روي عن جماعة من الصحابة ، من طرق مختلفة يشد بعضها بعضًا و هم :
معاذ ابن جبل ، و أبو ثعلبة الخشني ، و عبد الله بن عمرو ، و أبي موسى الأشعري ، و أبي هريرة ، و أبو بكر الصديق ، و عوف ابن مالك ، و عائشة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ .
1 ـ عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ” يطلع الله على خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن “
قال : أما حديث معاذ : فيرويه مكحول عن مالك بن يخامر عنه مرفوعا به . أخرجه ابن أبي عاصم في ” السنة ” رقم ( 512 – بتحقيقي ) حدثنا هشام بن خالد حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد عن الأوزاعي و ابن ثوبان ( عن أبيه ) عن مكحول به . و من هذا الوجه أخرجه ابن حبان ( 1980 ) و أبو الحسن القزويني في ” الأمالي ” ( 4 / 2 ) و أبو محمد الجوهري في ” المجلس السابع ” ( 3 / 2 ) و محمد بن سليمان الربعي في ” جزء من حديثه ” ( 217 / 1 و 218 / 1 ) و أبو القاسم الحسيني في ” الأمالي ” ( ق 12 / 1 ) و البيهقي في ” شعب الإيمان ” ( 2 / 288 / 2 ) و ابن عساكر في ” التاريخ ” ( 15 / 302 / 2 ) و الحافظ عبد الغني المقدسي في ” الثالث و التسعين من تخريجه ” ( ق 44 / 2 ) و ابن المحب في ” صفات رب العالمين ” ( 7 / 2 و 129 / 2 ) و قال : ” قال الذهبي : مكحول لم يلق مالك بن يخامر ” .قلت : و لولا ذلك لكان الإسناد حسنا ، فإن رجاله موثوقون ، و قال الهيثمي في ” مجمع الزوائد ” ( 8 / 65 ) : ” رواه الطبراني في ” الكبير ” و ” الأوسط ” و رجالهما ثقات ” .
2- عن أبي ثعلبة الخشني ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ” إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمن ، ويملي للكافرين ، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه “
قال : و أما حديث أبي ثعلبة : فيرويه الأحوص بن حكيم عن مهاصر بن حبيب عنه . أخرجه ابن أبي عاصم ( ق 42 – 43 ) و محمد بن عثمان بن أبي شيبة في ” العرش ” ( 118 / 2 ) و أبو القاسم الأزجي في ” حديثه ” ( 67 / 1 ) و اللالكائي في ” السنة ” ( 1/ 99 – 100 ) و كذا الطبراني كما في ” المجمع ” و قال : ” و الأحوص بن حكيم ضعيف ” . و ذكر المنذري في ” الترغيب ” ( 3 / 283 ) أن الطبراني و البيهقي أيضا أخرجه عن مكحول عن أبي ثعلبة ، و قال البيهقي : ” و هو بين مكحول و أبي ثعلبة مرسل جيد ” .
3- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” يَطَّلِعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا لِاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ “
قال : و أما حديث عبد الله بن عمرو : فيرويه ابن لهيعة حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عنه . أخرجه أحمد ( رقم 6642 ) .
قلت : و هذا إسناد لا بأس به في المتابعات و الشواهد ، قال الهيثمي : ” و ابن لهيعة لين الحديث و بقية رجاله وثقوا ” . و قال الحافظ المنذري : ( 3 / 283 ) ” و إسناده لين ” . قلت : لكن تابعه رشدين بن سعد بن حيي به . أخرجه ابن حيويه في ” حديثه ” . ( 3/ 10 / 1 ) فالحديث حسن .
4- عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ “
قال : و أما حديث أبي موسى فيرويه : ابن لهيعة أيضا عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه قال : سمعت أبا موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه . أخرجه ابن ماجه ( 1390 ) و ابن أبي عاصم اللالكائي . قلت : و هذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة .
و عبد الرحمن و هو ابن عرزب والد الضحاك مجهول . و أسقطه ابن ماجه في رواية له عن ابن لهيعة .
5- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو مشاحن “
قال : و أما حديث أبي هريرة فيرويه : هشام بن عبد الرحمن عن الأعمش عن أبي صالح عنه مرفوعا بلفظ : ” إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو مشاحن ” . أخرجه البزار في ” مسنده ” ( ص 245 – زوائده ) . قال الهيثمي : ” و هشام بن عبد الرحمن لم أعرفه ، و بقية رجاله ثقات ” .
6- عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ” ينزل الله إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل شيء إلا رجل مشرك أو في قلبه شحناء “
قال : و أما حديث أبي بكر الصديق فيرويه عبد الملك بن عبد الملك عن مصعب بن أبي ذئب عن القاسم بن محمد عن أبيه أو عمه عنه . أخرجه البزار أيضا و ابن خزيمة في ” التوحيد ” ( ص 90 ) و ابن أبي عاصم و اللالكائي في ” السنة ” ( 1 / 99 / 1 ) و أبو نعيم في ” أخبار أصبهان ” ( 2 / 2 ) و البيهقي كما في ” الترغيب ” ( 3 /283 ) و قال : ” لا بأس بإسناده ” ! و قال الهيثمي : ” و عبد الملك بن عبد الملك ذكره ابن أبي حاتم في ” الجرح و التعديل ” و لم يضعفه . و بقية رجاله ثقات ” ! كذا قالا ، و عبد الملك هذا قال البخاري : ” في حديثه نظر ” . يريد هذا الحديث كما في ” الميزان ” .
7- عَنْ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ” يَطَّلِعُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ كُلِّهِمْ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ “
قال : و أما حديث عوف ابن مالك فيرويه : ابن لهيعة عن عبد الرحمن ابن أنعم عن عبادة ابن نسي عن كثير بن مرة عنه . أخرجه أبو محمد الجوهري في ” المجلس السابع ” و البزار في ” مسنده ” ( ص 245 ) و قال : ” إسناده ضعيف ” .
قلت : و علته عبد الرحمن هذا و به أعله الهيثمي فقال : ” و ثقة أحمد بن صالح و ضعفه جمهور الأئمة ، و ابن لهيعة لين و بقية رجاله ثقات “
قلت : و خالفه مكحول فرواه عن كثير بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . رواه البيهقي و قال : ” هذا مرسل جيد ” . كما قال المنذري . أخرجه اللالكائي ( 1 / 102 / 1 ) عن عطاء بن يسار و مكحول و الفضل بن فضالة بأسانيد مختلفة عنهم موقوفا عليهم و مثل ذلك في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي . و قد قال الحافظ ابن رجب في ” لطائف المعارف ” ( ص 143 ) : ” و في فضل ليلة نصف شعبان أحاديث متعددة و قد اختلف فيها ، فضعفها الأكثرون و صحح ابن حبان بعضها و خرجه في ” صحيحه ” و من أمثلها حديث عائشة قالت : فقدت النبي صلى الله عليه وسلم … ” الحديث .
8- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَخَرَجْتُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ : ” أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ؟
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ .
فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ “
قال : و أما حديث عائشة فيرويه : حجاج عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عنه مرفوعا بلفظ : ” إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا ، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ” . أخرجه الترمذي ( 1 / 143 ) و ابن ماجه ( 1389 ) و اللالكائي ( 1 / 101 / 2 ) و أحمد ( 6 / 238 ) و عبد بن حميد في ” المنتخب من المسند ” ( 194 / 1 – مصورة المكتب ) و فيه قصة عائشة في فقدها النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة . و رجاله ثقات لكن حجاج و هو ابن أرطأة مدلس و قد عنعنه ، و قال الترمذي ” و سمعت محمد ( يعني البخاري ) : يضعف هذا الحديث ” .
و جملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب و الصحة تثبت بأقل منها عددًا ما دامت سالمة من الضعف الشديد كما هو الشأن في هذا الحديث .
فما نقله الشيخ { علامة الشام محمد جمال الدين } القاسمي رحمه الله تعالى في ” إصلاح المساجد ” ( ص 107) عن أهل التعديل و التجريح أنه ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح ، فليس مما ينبغي الاعتماد عليه ، و لئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول فإنما أوتي من قبل التسرع و عدم وسع الجهد لتتبع الطرق على هذا النحو الذي بين يديك . و الله تعالى هو الموفق .
* من فقه هذا الحديث :
ـ ثبوت اطلاع الله على عباده ونظره إليهم ، نظر رحمة و مغفرة لهم في تلك الليلة .
ـ أن الليلة تبدأ من غروب شمس يوم الرابع عشر .
ـ نزول الرب سبحانه إلى السماء الدنيا من أول تلك الليلة ، لو ثبت هذا اللفظ .
ـ مغفرة ذنوب العباد تلك الليلة .
ـ لا حظ في هذه الليلة في المغفرة لمشرك .
ـ لا حظ في هذه الليلة في المغفرة لمشاحن ، فإياك و فساد ذات البين فإنها الحالقة.
عن الزبير بن العوام – رضي الله عنه – : أنَّ رسولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قال : «دَبَّ إليكم دَاءُ الأُممِ قَبلَكم : الحسدُ والبغضاءُ ، وَهي الْحَالِقةُ أمَا إنَّي لا أَقُولُ : تَحْلِقُ الشَّعْرَ ، ولكن تَحْلِقُ الدَّينَ ، والَّذي نَفْسي بِيدِه ، لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حتَّى تُؤمِنوا ، ولا تُؤمِنُون حتى تَحابُّوا ، أَلا أدُّلكم على مَا تَتَحَابُّونَ بِهِ ؟ افْشُوا السلامَ بينَكم » أخرجه الترمذي. (2510)