البكاء ، و التباكي

 

البكاء :

البكاء غريزة من الغرائز الإنسانية التي لا ينفك عنها بنو آدم ، و لو كان من أقسى الناس قلبًا .

و لذا فمنه المحمود الذي يثاب عليه العبد ، و هو من رقة القلوب ، كالبكاء من خشية الله ، أو شوقًا إليه ...

و منه المذموم الذي يأثم عليه العبد ، كالبكاء على فوات معصية محبوبة للنفس الأمارة بالسوء ، أو فرحًا بتحصيلها .

و منه المباح الذي ليس فيه ذم و لا مدح ، كالبكاء من ورود مؤلم لا يحتمله البدن أو النفس .

و أما التباكي :

فليس غريزيًّا ، بل هو متكلف مستدعى ، و هذا أيضًا ينقسم بالنسبة للمدح و الذم إلى خمسة أقسام :

الأول : أن يستدعيه و يستجلبه لمشروع يريد بذلك أن يرقق قلبه من قسوته ، فهو ممدوح .

الثاني : أن يستدعيه و يستجلبه لمشروع يريد بذلك أعين الخلق ، فهو مذموم .

الثالث : أن يستدعيه و يستجلبه لغير مشروع ، يريد بذلك حفز النفس على المعصية فهو مذموم .

الرابع : أن يستدعيه و يستجلبه لغير مشروع يريد بذلك أعين الناس ، فهو مذموم .

الخامس: أن يستدعيه و يستجلبه لغير مشروع ، يريد بذلك حفز غيره على معصية الله فهو مذموم .

و قد ذكر ابن القيم أنواع البكاء و التباكي بحسب أسبابها المؤدية إليها

قال ابن قيم الجوزية في كتابه : " زاد المعاد " ( 1 / 184 ، 185 ) :

(( والبكاء أنواع :

أحدها : بكاء الرحمة والرقة .

والثاني : بكاء الخوف والخشية .

والثالث : بكاء المحبة والشوق .

والرابع : بكاء الفرح والسرور .

والخامس : بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله .

والسادس : بكاء الحزن .

ـ والفرق بينه وبين بكاء الخوف :

أن بكاء الحزن : يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب .

وبكاء الخوف : يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك

ـ والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن :

أن دمعة السرور : باردة والقلب فرحان

ودمعة الحزن : حارة والقلب حزين

ولهذا يقال لما يفرح به : هو قرة عين وأقر الله به عينه ، ولما يحزن : هو سخينة العين وأسخن الله عينه به

والسابع : بكاء الخور والضعف .

والثامن : بكاء النفاق وهو أن تدمع العين والقلب قاس فيظهر صاحبه الخشوع وهو من أقسى الناس قلبًا .

والتاسع : البكاء المستعار والمستأجر عليه كبكاء النائحة بالأجرة ، فإنها كما قال عمر بن الخطاب : تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها .

والعاشر : بكاء الموافقة وهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر ورد عليهم ، فيبكي معهم ولا يدري لأي شئ يبكون ولكن يراهم يبكون فيبكي .

• وما كان من ذلك دمعًا بلا صوت فهو بكى مقصور ، وما كان معه صوت فهو بكاء ممدود على بناء الأصوات

وقال الشاعر :

( بكت عيني وحق لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل )

[ التبـــــــــاكي ]

• وما كان منه مستدعى متكلفًا فهو التباكي وهو نوعان :

ـ محمود

ومذموم

ـ فالمحمود : أن يستجلب لرقة القلب ولخشية الله لا للرياء والسمعة .

ـ والمذموم : أن يجتلب لأجل الخلق

وقد قال عمر بن الخطاب للنبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر :

أخبرني ما يبكيك يا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ؟

فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما .

ولم ينكر عليه ـ صلى الله عليه و سلم ـ

 

وقد قال بعض السلف : ابكوا من خشية الله فإن لم تبكوا فتباكوا . ))