الاعتــــــــــــــكاف
أحــــــــــــــــــــــــكام و آداب
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد :
* فالإعتكاف طاعة من أحب الطاعات المستحبة إلى الله تعالى .
قال الله ـ تعالى ـ : (( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)) البقرة 125.
وقال : (( ولاتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) البقرة 187.
وقال : (( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )) الحج 25.
* تعريف الاعتكاف:
مادة عكف تأتي في اللغة لمعانٍ منها :
ـ القيام على الشيء و لزومه .
ـ الحبس .
ـ الدوام .
ـ الاقبال على الأمر لا تنصرف عنه .
و زيادة المبنى في كلمة الاعتكاف ، تدل على زيادة في المعنى الأصلي .
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة ( 4 / 108 ) :
(( عكف : العين و الكاف و الفاء
أصل صحيح يدل على مقابلة وحبس، يقال: عكف يعكف ويعكف عكوفًا، وذلك إقبالك على الشيء لا تنصرف عنه. ))
و قال التهانوي في موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ( 1 / 230 ) :
(( هو افتعال من عكف إذا دام .
وعكفه حبسه فهو في اللغة اللبث والدّوام ))
و قال الأزهري في تهذيب اللغة ( 1 / 209 ) :
(( عكف: قال الله جل وعز: { و أنتم عاكفون في المساجد } (البقرة: 187) .
عاكفون: مقيمون في المساجد، عكف يعكف ويعكف، إذا أقام.
و منه قوله: { يعكفون على أصنام لهم } (الأعراف: 138) أي يقيمون .
و أما قوله جل وعز: { الحرام والهدى معكوفًا أن يبلغ } (الفتح: 25) فإن مجاهدًا وعطاء قالا: محبوسًا.
و كذلك قال الفراء. يقال عكفته أعكفه عكفًا، إذا حبسته. وقد عكفت القوم عن كذا، أي حبستهم. ))
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (2/707) : (( و التاء في الاعتكاف تفيد ضرباً من المعالجة والمزاولة؛ لأن فيه كلفة . ))
* و الاعتكاف شرعًا : لزوم المسلم المسجد بنية مخصوصة ، بصفة مخصوصة .
و يقال للاعتكاف المجاورة ، و هو اسم شرعي و إن غلب الأول .
فعن أبى سعيد الخدري - رضى الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- « إني كنت أجاور هذه العشر ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر وقد رأيتني أسجد في ماء وطين ». رواه البخاري (2018 ) ، و مسلم (2826 ) .
و عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : (( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض . )) رواه البخاري (2028) ، و مسلم (712) .
قال الحافظ في الفتح ( 4 / 273 ) : (( و يؤخذ منه أن المجاورة و الاعتكاف واحد . ))
* حــــــكم الاعتــكاف :
و الاعتكاف مشروع بالكتاب ، و السنة ، و الإجماع
قال تعالى : { و أنتم عاكفون في المساجد } (البقرة: 187) .
و قد اعتكف النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ حتى توفاه الله ، فلم يترك الاعتكاف قط في العشر الأواخر من رمضان ، و لما تركه عامًا قضاه في شوال ، و قد اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين يومًا .
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده )
رواه البخاري ( 2026 ) ومسلم ( 1172 ) .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً ) رواه البخاري ( 2044 )
و قد نقل الإجماع على مشروعيته غير واحد من أهل العلم منهم : ابن المنذر ، و ابن حزم ، و ابن هبيرة ...
قال ابن المنذر في كتابه الإجماع ( ص 53 ) : (( وأجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضًا إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذرًا فيجب عليه . ))
و قال الإمام أحمد فيما رواه عنه أبو داود : (( لا أعلم عن أحد من العلماء إلا أنه مسنون . ))
فالاعتكاف مندوب على الصحيح طوال العام ، و يتأكد ندبه في العشر الأواخر من رمضان ، و أما غير في غير رمضان فالجمهور على استحبابه ، و ذهب بعض أهل العلم إلى جوازه في غير رمضان ، و قد نقل بعض أهل العلم الإجماع عليه ، و هو إجماع على أقل ما قيل فيه .
قال ابن عبد البر في الاستذكار (10/273 ) : (( و أجمعوا أن سنة الاعتكاف المندوب إليها شهر رمضان كله ، أو بعضه ، وأنه جائز في السنة كلها ، إلا ما ذكرنا . ))
و قد يجب الاعتكاف بإيجاب المرء على نفسه بالنذر ، فإن نذر التبرر يجب الوفاء به .
و الاعتكاف عبادة قديمة كانت في الأمم السابقة و هي من ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ قال الله ـ تعالى ـ : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } (البقرة: 125) .
* محـــــل الاعتـــــــــــــــــــــــكاف :
مكان الاعتكاف كل مسجد تقام فيه الجمع و الجماعات على الصحيح لقوله ـ تعالى ـ : { و أنتم عاكفون في المساجد } (البقرة: 187) .
و ذلك قول جمهور أهل العلم من السلف و الخلف إلا من شذ منهم .
* متى يدخل معتكف العشر المسجد ؟
يدخل المعتكف المسجد قبل غروب شمس يوم العشرين من رمضان ليلة الواحد و العشرين .
و أما حديث عن عائشة - رضى الله عنها - قالت : (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه . ))
رواه البخاري ( 1928 ) ، ومسلم ( 1173 )
ففيه أنه دخل المعتكف بعد صلاة الفجر ، و المراد به مكان الاعتكاف ، و هو الخباء الذي كان يضرب له ، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية . رواه مسلم ( 1167 )
وفي الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم- قد كان موجودًا في المسجد قبل ذلك و قد صلى الفجر فيه .
و يدل لذلك أيضًا حديث أبي سعيد الخدري - رضى الله عنه – ففيه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- « فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه ». رواه البخاري (2018 ) ، و مسلم (2826 ) .
* شروط الاعتـــــكاف :
ـ الإسلام و هو شرط لصحة الاعتكاف .
ـ التمييز .
ـ العقل .
ـ المسجد الجامع .
ـ النية و هي شرط للصحة .
ـ الطهارة من الحدث الأكبر على الصحيح .
و ليس من شروطه على الراجح الصوم ، لحديث ابن عمر أن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: (( يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية.
فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فأوف بنذرك .)) رواه البخاري( 2032) ، و مسلم ( 1656) .
وليس الليل محلاً للصيام ، و إنما النهار محله ، و يؤخذ من هذا النص أيضًا جواز الاعتكاف أقل من يوم و ليلة و أن الاعتكاف يتجزأ.
و أما قول ابن قيم الجوزية في الزاد ( 2 / 83 ) : (( و لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطرًا قط، بل قد قالت عائشة: «لا اعتكاف إلا بصوم» .
و لم يذكر الله سبحانه الاعتكاف إلا مع الصوم، و لا فعله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا مع الصوم.
فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف: أن الصوم شرط في الاعتكاف، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية. ))
فهو محجوج بما سبق ، و قد ورد أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتكف في شوال رواه البخاري ( 1928 ) ومسلم ( 1173 ) .
و يحتمل هذا أنه اعتكف أول يوم في شوال فيكون هذا كالنص على أنه لا يشترط للاعتكاف الصوم ، لأن صوم يوم العيد منهي عنه .
و يحتمل أنه صام بعده ، فعندئذ نقول : ولم يثبت أنه كان صائماً في هذه الأيام التي اعتكافها ، ولا أنه كان مفطرًا .
غير أن هذه الأدلة تدل على استحباب الصيام للمعتكف .
و على هذا :
ـ يصح اعتكاف المعذور بالفطر في نهار رمضان كالمريض و المسافر ، إن أخذ بالرخصة .
ـ يصح الاعتكاف في غير رمضان للمفطر .
* مفسدات الاعتكاف :
ـ الخروج من المعتكف لغير حاجة ، لأنه ينافي مقصود الاعتكاف .
ـ الحيض و النفاس بالنسبة للمرأة .
ـ الجماع لقوله تعالى : { و لا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون (187) } ( البقرة ) .
ـ الردة لقوله تعالى : {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}
* هل يجوز للمعتكف الخروج لبعض الطاعات كعيادة المريض أو شهود الجنازة ؟
الجواب : لا يجوز للمعتكف الخروج من معتكفه لزيارة المريض ، أو شهود الجنازة ، لحديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : (( السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا , ولا يشهد جنازة , ولا يمس امرأة , ولا يباشرها , ولا يخرج لحاجة , إلا لما لا بد منه , ولا اعتكاف إلا بصوم , ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع )) . رواه أبو داود ( 2475 ) .
أما إذا كان المريض ذا رحم ، و يخشى موته ففي عدم زيارته قطيعة للرحم ، و قد جوز بعض أهل العلم عيادة المريض ، و شهود الجنازة ، و فعل العبادات التي لا تنافي الاعتكاف مما يحتاج معه إلى الخروج مطلقًا إذا اشترط ذلك في أول الاعتكاف ، و فيما قالوه تأمل .
* من آداب الاعتكاف :
ـ إحياء الليل بالصلاة فعن عائشة - رضى الله عنها - قالت :
(( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر
• أحيا الليل
• و أيقظ أهله
• و جد
• و شد المئزر. )) رواه البخاري ( 2024) ، و مسلم (2844 ) .
ـ تحري ليلة القدر فقد كان هذا المقصد الأساس للنبي ـ صلى الله عليه وسلم- من الاعتكاف .
فعن أبى سعيد الخدري - رضى الله عنه – قال : (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يجاور في العشر التي في وسط الشهر فإذا كان من حين تمضى عشرون ليلة ويستقبل إحدى وعشرين يرجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه ، ثم إنه أقام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم بما شاء الله ثم قال : « إني كنت أجاور هذه العشر ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه ، وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر ، و قد رأيتني أسجد في ماء وطين ».
قال أبو سعيد الخدري مطرنا ليلة إحدى وعشرين فوكف المسجد في مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه مبتل طينا وماء. )) رواه البخاري (2018 ) ، و مسلم (2826 ) .
ـ قراءة القرآن ، و الإكثار من ذلك ، فقد قرن الله بين الصيام و القرآن فقال :
{ شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} ( البقرة:185) .
و عن ابن عباس ، قال : (( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود بالخير من الريح المرسلة. )) رواه البخاري (1902 ) ، و مسلم (2308 ) .
و عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( الصيام والقرآن يشفعان للعبد .
يقول الصيام : رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه .
ويقول القرآن : رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه .
فيشفعان . )) رواه أحمد (6626 ) .
ـ أعمال البر ، و الصدقة لحديث ابن عباس السابق ، و لحديث عائشة و فيه قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : (( آلبرَّ تُردْن ؟ )) و سيأتي بطوله
و الشاهد فيه أنه يراد بالاعتكاف أعمال البر .
ـ الكف عن فضول :
• الكلام .
• الطعام .
• و الاجتماع لغير طاعة .
• أمور الدنيا التي لا يحتاج إليها في معتكفه .
قال ابن قدامة في المغني ( 3 / 146 ) : (( يستحب للمعتكف :
ـ التشاغل بالصلاة
ـ و تلاوة القرآن
ـ و ذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة
ـ و يجتنب ما لا يعينه من الأقوال والأفعال ولا يكثر الكلام لأن من كثر كلامه كثر سقطه وفي الحديث : [ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ]
ـ و يجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى
ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحظوره وعكسه الوطء ))
ثم قال : ((
ـ فأما إقراء القرآن
ـ و تدريس العلم و درسه
ـ ومناظرة الفقهاء ومجالستهم
ـ و كتابة الحديث
ونحو ذلك مما يتعدى نفعه فأكثر أصحابنا على أنه لا يستحب وهو ظاهر كلام أحمد
و قال أبو الحسن الآمدي : في استحباب ذلك روايتان
واختار أبو الخطاب أنه مستحب إذا قصد به طاعة الله تعالى لا المباهاة ، وهذا مذهب الشافعي .
لأن ذلك أفضل العبادات ونفعه يتعادى فكان أولى من تركه كالصلاة .
واحتج أصحابنا بأن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ كان يعتكف فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة به ,
ولأن الاعتكاف عبادة من شرطها المسجد فلم يستحب فيها ذلك كالطواف وما ذكروه يبطل بعيادة المرضى وشهود الجنازة .
فعلى هذا القول فعله لهذه الأفعال أفضل من الاعتكاف .
قال المروذي : قلت لأبي عبد الله : أن رجلًا يقرئ في المسجد كان له ولغيره
يقرئ أحب إلي .
وسئل أيما أحب إليك : الاعتكاف أو الخروج إلى عبادان ؟
قال : ليس يعدل الجهاد عندي شيء يعني أن الخروج إلى عبادان أفضل من الاعتكاف . ))
* مما يباح للمعتكف :
ـ الترجل ، و التنظف ، و التزين لحديث عائشة :
أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ (( كان إذا اعتكف يدني إلى رأسه أرجله ، وكان لا يدخل بيته إلا لحاجة الإنسان . )) رواه البخاري ( 1924 ) ، ( 1926 ) ومسلم ( 297 ) .
قال الحافظ في الفتح ( 4 / 807 ) : (( و في الحديث جواز التنظيف والتطيب والغسل والحلق والتزين إلحاقاً بالترجل ، والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد )).
ـ جواز الخروج ببعض البدن للحديث السابق ، ففيه بيان أن إخراج المعتكف لبعض بدنه ليس خروجًا من المعتكف .
ـ الخروج للحاجة ـ كالطعام و الشراب و التخلي ـ للحديث السابق ففيه frown رمز تعبيري وكان لا يدخل بيته إلا لحاجة الإنسان . ) و مفهومه جواز الخروج للحاجة .
ـ صحبة أهله إذا زاروه فيقلبهم إلى مأمنهم ففي الصحيحين عن على بن حسين عن صفية بنت حيي قالت : (( كان النبي - صلى الله عليه وسلم- معتكفًا فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني.
وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم – أسرعا .
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : على رسلكما إنها صفية بنت حيي.
فقالا : سبحان الله يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال : إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم و إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا.
أو قال : شيئًا . )) رواه البخاري (2035 ) ، ومسلم (2175 ) .
قال الحافظ في الفتح ( 4 / 280 ) : ((وفي الحديث من الفوائد :
ـ جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره .
ـ وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة
ـ و زيارة المرأة للمعتكف
ـ و بيان شفقته ـ صلى الله عليه و سلم ـ على أمته
ـ وارشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم .
ـ و فيه التحرز من التعرض لسوء الظن
ـ و الاحتفاظ من كيد الشيطان
و الاعتذار . ))
* متى يخرج المعتكف من معتكفه ؟
للمعتكف ثلاثة أحوال :
الأول : أن يريد اعتكاف الأيام و الليالي ، فهذا يدخل قبل غروب الشمس إلى معتكفه ، ثم لا يخرج منه إلا بعد غروب شمس آخر يوم أراده .
الثاني : أن يريد اعتكاف الأيام فقط ، فهذا يدخل معتكفه مع طلوع الفجر الصادق ، و يخرج منه بعد غروبها .
الثالث : أن يريد اعتكاف الليالي دون الأيام فهذا يدخل المعتكف قبيل غروب الشمس ، و يخرج منه بعد طلوع الفجر الصادق .
قال الحافظ في الفتح (4/356 ) : (( وهو محمول ـ يعني حديث أبي سعيد الخدري ـ على أنه أراد اعتكاف الليالي دون الأيام، وسبيل من أراد ذلك أن يدخل قبيل غروب الشمس ويخرج بعد طلوع الفجر، فإن أراد اعتكاف الأيام خاصة فيدخل مع طلوع الفجر ويخرج بعد غروب الشمس، فإن أراد اعتكاف الأيام والليالي معاً فيدخل قبل غروب الشمس ويخرج بعد غروب الشمس أيضًا )).
هذا و الله أعلم بالصواب ، و إليه المرجع و المآب .