(2)
مدونات نقل الإجماع
إنَّ الحمد لله، نحمـده، ونستعينه، ونستغفره، ونــــــعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهــــده الله؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله. وبعد :
المطلب السابع : من أهم الكتب التي تنقل الإجماع :
أهتم عدد غير قليل من أهل العلم بنقل الإجماع وتتبعه في مصنفاتهم ومن أكثرهم نقلاً للإجماع : الطحاوي في شرح معاني الآثار ، و ابن عبد البر في كتابيه التمهيد و الاستذكار ، وابن المنذر في كتبه الإشراف و الأوسط ،والإقناع ، و الماوردي في الحاوي الكبير ، و الطبري في اختلاف الفقهاء و تهذيب الآثار ، و المروزي في اختلاف العلماء ، و ابن رشد الجد والحفيد ، و النووي في المجموع ، و ابن قدامة في المغني ، و الحافظ ابن حجر في الفتح ، وغيرهم من أهل العلم سواء نقلوا الإجماع عن غيرهم أو استقرؤوه بأنفسهم ، وإنما ذكرت هنا بعض من كان له اهتمام خاص بنقل الإجماع .
و قد أفرد بعض أهل العلم مسائل الإجماع بمصنفات خاصة فمن أهمها :
ـ كتاب الإجماع لابن المنذر
والإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر إليه المنتهى في نقل الإجماع و في معرفة مذاهب علماء الأمصار ، لذا أكثر أهل العلم جدًّا من النقل عنه في هذين الأمرين .
قال النووي في المجموع ( 1 / 19 ) : (( و أكثر ما أنقله من مذاهب العلماء من كتاب الإشراف والإجماع لابن المنذر وهو الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الشافعي القدوة في هذا الفن . ))
و قال ابن تيمية " مجموع الفتاوى جمع ابن القاسم" ( 21 / 559 ) : (( و قال أبو بكر بن المنذر ، وعليه اعتماد أكثر المتأخرين في نقل الإجماع و الخلاف . ))
مادة كتاب الإجماع لابن المنذر :
مادة كتاب الإجماع استخرجها ابن المنذر ـ رحمه الله تعالى ـ بعد التحرير التام من ثلاثة كتب له وهي :
الأول : الأوسط من السنن و الإجماع و الاختلاف .
و من أحسن طبعاته طبعة دار الفلاح ، راجعه و علق عليه : أحمد بن سليمان ، الطبعة الثانية 1431هـ.
الثاني : الإشراف على مذاهب العلماء .
تحقيق : صغير أحمد الأنصاري أبو حماد ، الناشر: مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة - الإمارات .
الثالث : الإقناع .
تحقيق د. عبد الله الجبرين ، مكتبة الرشد ، الرياض ، ط 2 ، 1414 هـ
و كلها بفضل مطبوع كما سبق، و قد خدمت هذه الكتب الخدمة التي تستحقها ، خلا كتاب الإجماع فإنه ما زال بحاجة لمن يخدمه الخدمة اللائقة به .
قال أبو حماد صغير أحمد في مقدمة كتاب الأوسط ( 1 / 36 ) عن كتاب الإجماع : (( جمع فيه المؤلف المسائل المجمع عليها ، ومعظمها مستنبطة من آيات القرآن ، و أحاديث الرسول ، و آثار الصحابة ، و هي كلها مذكورة في كتاب : الأوسط ، والإشراف ، و الإقناع و مستخرجة منها .))
* عدد المسائل التي نقل فيها الإجماع : 767 مسألة.
* عدد المسائل التي نقل فيها الإجماع مع مخالفة الواحد أو الاثنين :124 مسألة .
* الأبواب التي ذكر أنه لا إجماع فيها خمسة أبواب و هي :
ـ كتاب المتعة ، قال : لم يثبت فيه إجماع .
ـ كتاب اللقطة، قال : لم يثبت فيه إجماع .
ـ كتاب العمرى و الرقبى قال : لم يثبت فيه إجماع .
ـ كتاب الساحر و الساحرة
ـ و كتاب تارك الصلاة ، قال : لم أجد فيهما إجماعًا.
ـ كتاب مراتب الإجماع لابن حزم :
*عدد المسائل التي نقل فيها الإجماع : 1094 مسألة.تشمل العمليات ، وهي جل الكتاب والعلميات وقد ختم بها الكتاب .
فالإجماعات التي نقلها في العمليات 1040 إجماعًا ، و الإجماعات التي نقلها في الاعتقادات التي يكفر من خالفها 54 إجماعًا .
وانتقد ابن حزم في آخر كتاب الاعتقادات التي يكفر من خالفها إجماعًا واحدًا نقل فيها الإجماع ، وإنما كان نقضه لها لأنه لا يرى انعقاد الإجماع بعد الخلاف ، خلافًا للجمهور .
[ تنبيه : هذا إحصاء خاص ، وإلا فمطبوع الكتاب ليس مرقمًا . ]
* و قال :(لا أعلم خلافًا في كذا) في خمسة مواضع :
- في الركاز ( مرتين ) .
- في الطلاق و الخلع .
- الصيد و الضحايا ( مرتين ) .
_ السبق والرمي .
و قال ( في مسألة 385 ص 128 ، 129 ) : (( و لا نعلم خلافًا في أن من طلق ولم يشهد ان الطلاق له لازم و لكن لسنا نقطع على أنه إجماع . ))
* الأبواب التي ذكر أنه لا إجماع فيها أربعة أبواب و هي :
- اللقطة و الضالة .
- الإجارة .
- الصلح .
- الشفعة.
وهذان الكتابان هما من أهم ما ألف في نقل الإجماع بعامة ، و لم يلقيا من الاهتمام ما يليق بهذه المكانة فما زال الكتابان يحتاجان إلى دراسات تجرى حولهما .
غير أنه قد قامت حول الكتابين عدة دراسات منها :
ـ كتاب أحكام الإجماع و التطبيقات عليها من خلال كتابي ابن المنذر وابن حزم في بابي الطهارة و الصلاة . لخلف محمد الحمد ، و هو رسالة ماجستير بإشراف الشيخ : أحمد فهمي أبو سنة 1412ه ـ 1992م .
ـ وقد قسم المعهد العالي للقضاء جامعة الإمام محمد بن سعود ـ الدراسات العليا ـ كتاب الإجماع لابن المنذر ، وكتاب مراتب الإجماع لابن حزم على خمس رسائل ماجستير تقوم بدراسة الإجماعات لكل كتاب منهما .
لكن ما زال مطبوع الكتابين لم يستفد من هذه الجهود .
ـ كتاب نوادر الفقهاء ، محمد بن الحسن التميمي الجوهري المتوفى سنة 350 هـ ، تحقيق : فضل المراد ، طبع دار القلم ، دمشق .
عدد المسائل التي نقل فيها الإجماع : 320 مسألة ، و هو لا يعتد بخلاف الواحد و الاثنين بل يعتبره شذوذًا و لذا يذكر معه الإجماع.
ـ كتاب الإقناع لابن القطان الفاسي :
عدد المسائل التي نقل فيها الإجماع : 4018 مسألة .
و هو ليس كتابًا أصيلاً في نقل الإجماع ، بل هو كتاب وسيط ينقل الإجماع من عدة كتب .
ـ كتاب موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية ، لعبد الله بن مبارك البوصي .
و قد جمع فيه 1500 مسألة تقريبًا .
ـ كتاب إجماعات ابن عبد البر من ( التمهيد و الاستذكار ) ، جمع : فؤاد الشلهوب ، و عبد الوهاب الشهري ، طبع دار القاسم بالرياض .
عدد المسائل التي أحصيا نقل ابن عبد البر فيها الإجماع : 780 مسألة و هذه الدراسة في كتاب العبادات خاصة .
ـ كتاب إجماعات ابن عبد البر (دراسة فقهية مقارنة)
إعداد: سيد عبده بكر إسماعيل
إشراف: د. محمد بلتاجي حسن - د. محمد أحمد سراج
الناشر: قسم الشريعة الإسلامية - كلية دار العلوم - جامعة القاهرة ـ 1421 هـ - 2000 م
وهذه الدراسة أوسع من سابقتها ، فقد شملت أبواب الفقه بل و بعض أبواب الأصول ولم تقتصر على كتابي الاستذكار و التمهيد .
ـ عدد المسائل التي أحصى نقل الإجماع فيه عن ابن عبد البر 2638 مسألة .
ـ عدد المسائل التي قام بدراستها 1000 مسألة فقط ، فقد بدأ الدراسة من أول أبواب المعاملات .
ـ عدد المسائل التي أثبت فيه ابن عبد البر الإجماع مع خلاف الواحد فأكثر 108 مسألة من جملة 1000 مسألة .
ـ كتاب موسوعة الإجماع لسعدي أبي جيب :
وهذه الموسوعة مرتبة ترتيبًا أبجديًّا ، وقد بلغ عدد الكتب التي استقرأها ، ونقل منها الإجماعات في طبعته الثالثة 18 كتابًا من أمهات الكتب .
ـ عدد المسائل التي نقل فيها الإجماع في طبعته الثالثة: 4587 إجماعًا .
ـ عدد المسائل التي نقل فيها الإجماع طبعته الخامسة ( 1012م): 9588 إجماعًا .
بعد إضافة إجماعات ابن عبد البر : عدد المسائل التي نقل فيها الإجماع : 14400 إجماعًا . ولم أر هذه الطبعة ، فلعل الله أن ييسرها بفضله .
وهو ليس كتابًا أصيلاً في نقل الإجماع ، بل هو كتاب وسيط ينقل الإجماع من عدة كتب كما سبق ذكره .
هذا خلا الكتب التي قامت بجمع و دراسة بعض إجماعات أئمة أهل العلم ، كابن المنذر ، و ابن حزم ، و ابن عبد البر و غيرهم .
· دراسة الإجماعات المنقولة :
سبق أنه قد عني طائفة من أهل العلم بنقل الإجماعات في مسائل العلم في مصنفاتهم ، و هم في ذلك بين مقل و مستكثر ، و منهم من صنف في ذلك مصنفًا كالكتب السابقة ، و منهم من بثها في مصنفاته كمحمد بن نصر المروزي و الطحاوي و ابن عبد البر و غيرهم .
و هذا النقل للإجماعات في غالبه يقوم على الاستقراء لأقوال أهل العلم ، و قد يكون الاستقراء تامًا أو ناقصًا ، و قد يكون صاحبه واسع الاطلاع على مذاهب علماء الأمصار أو لا ، و قد يكون واسع الدعوى فيرى ما ليس إجماعًا ، و قد يكون متحققًا مما يقول لكنه يقول ببعض أنواع الإجماع المختلف فيها .
لذا فالمحققون من أهل العلم لا يسلمون بالدعوى المجردة في هذا الباب ، بل يدرسون هذه الدعوى فإن تحققت و إلا ردوها ، و قد مرَّ كلام الشافعي و أحمد و غيرهما من أهل العلم في هذا الباب .
و قد قام بعض من أهل العلم بدراسة إجماعات كتب خاصة فمن هذا :
1 ـ كتاب نقض مراتب الإجماع المنسوب خطأ لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ
و قد عني في كتابه بنقد بعض الإجماعات التي ينقلها ابن حزم في كتابه : مراتب الإجماع .
و قد انتقد عليه 42 إجماعًا من جملة 1094 إجماعًا ، نقلها لكن المؤلف لم يرد بهذا الاستيعاب و إنما أراد مجرد التمثيل فقد قال [ في نقض مراتب الإجماع المطبوع مع مراتب الإجماع ( ص 302 ) ] :
(( وقد ذكر رحمه الله تعالى إجماعاتٍ من هذا الجنس في هذا الكتاب، ولم يكن قصدنا تتبع ما ذكره من الإجماعات التي عُرف انتقاضها، فإن هذا يزيد على ما ذكرناه.
مع أن أكثر ما ذكره من الإجماع هو كما حكاه، لا نعلم فيه نزاعًا، وإنما المقصود أنه مع كثرة اطلاعه على أقوال العلماء وتبرزه في ذلك على غيره، واشتراطه ما اشترطه في الإجماع الذي يحكيه، يظهر فيما ذكره في الإجماع نزاعات مشهورة، وقد يكون الراجح في بعضها خلاف ما يذكره في الإجماع.
وسبب ذلك:
ـ دعوى الإحاطة بما لا يمكن الإحاطة به
ـ و دعوى أنَّ الإجماع الإحاطي هو الحجة لا غيره.
فهاتان قضيتان لا بد لمن ادعاهما من التناقض إذا احتج بالإجماع.
فمن ادَّعى الإجماع في الأمور الخفية بمعنى أنه يعلم عدم المنازع، فقد قفا ما ليس له به علم، وهؤلاء الذين أنكر عليهم الإمام أحمد.
وأما من احتج بالإجماع بمعنى عدم العلم بالمنازع، فقد اتبع سبيل الأئمة، وهذا هو الإجماع الذي كانوا يحتجون به في مثل هذه المسائل. ))
قلت : لابد من التنبيه على أمور :
الأول : طبع الكتاب باسم : نقد مراتب الإجماع و الصحيح أنه : نقض بالضاد .
الثاني : أن الكتاب لابن شيخ السلامية حمزة بن موسى بن بدران المعروف بابن شيخ السلامية
قال الشيخ عبد الله التركي في كتابه المذهب الحنبلي «دراسة في تاريخه وسماته وأشهر أعلامه ومؤلفاته» ( 2 / 387 ) : (( ويوجد في عالم المطبوعات كتاب بعنوان "نقض مراتب الإجماع"، وهو مطبوع بهامش "مراتب الإجماع"، منسوباً إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، ولم أجد له في المصادر التي ذكرت تصانيفه أن له كتاباً بهذا العنوان أو بعنوان مقارب، والذي يبدو في النظر أن هذا الكتاب المطبوع هو نفس كتاب ابن شيخ السلامية، ولكن ظن ناشره أو ناسخه أنه لابن تيمية من أجل كثرة النقول عنه في هذا الكتاب، ولا غرابة في ذلك، فقد كان ابن شيخ السلامية -كما قال مترجموه- من المعتنين بفتاوى شيخ الإسلام، المنتصرين لآرائه وأقواله. فليحرر. والله أعلم.))
الثالث : أن الكتاب لم يعتن مصنفه بدراسة ، و تتبع الإجماعات التي يذكرها ابن حزم لكنه أراد أن يبين ، أن ابن حزم لم يوف بمنهجه الذي ذكره في أول كتابه ، فنقض عليه شرطين التزمهما و لم يوف بهما وهما :
( ـ دعوى الإحاطة بما لا يمكن الإحاطة به .
ـ و دعوى أنَّ الإجماع الإحاطي هو الحجة لا غيره .)
ويعني بهذا إن نقل جمهور الإجماع الموجود في كلام الفقهاء بل ، وفي كلام ابن حزم إنما هو عد العلم بالمخالف ، أما الإجماع الإحاطي بصورته المثلى الموجودة في كتب الأصول ، والتي ادعى ابن حزم التزامه بها فإنه غير موجود واقعًا .
ولذا قال : ((وأما من احتج بالإجماع بمعنى عدم العلم بالمنازع، فقد اتبع سبيل الأئمة، وهذا هو الإجماع الذي كانوا يحتجون به في مثل هذه المسائل. ))
* و قد عني كثير من الباحثين المعاصرين بدراسة الإجماعات التي ينقلها بعض الأئمة فمن هذه البحوث :
كتاب : أحكام الإجماع و التطبيقات عليها ، من خلال كتابي :
ـ ابن المنذر ،وابن حزم ، في بابي الطهارة و الصلاة
تأليف د: خلف محمد الحمد
و قد تتبع من الكتابين 173 إجماعًا .
و هي على التفصيل :
85 إجماعًا لابن المنذر .
129إجماعًا لابن حزم .
اشتركا في بعضها ، و انفرد كل واحد منهما عن الآخر في بعضها ، و غالب هذه الانفردات لابن حزم .
و جملة ما انتقده عليهما الباحث في هذا الكتاب 30 إجماعًا في كتابي الطهارة و الصلاة من جملة : 173 إجماعًا .
وقد سبق ذكر بعض الدراسات التي دارت حول كتابي ابن المنذر ، وابن حزم ـ رحمهما الله ـ .
ـ كتاب إجماعات ابن عبد البر في العبادات جمعًا و دراسة ، لعبد الله بن مبارك البوصي .
وهو كتاب جيد
والباحث يذكر فيه عبارة ابن البر في نقل الإجماع ثم يتبعها بذكر من وافقه على نقل الإجماع ، ثم يذكر مستند الإجماع سواء ذكره ابن عبد البر أو لم يذكره .
فإن انتقد ابن عبد البر في نقله للإجماع ، ذكر من خالفه من أهل العلم .
والمسائل في الكتاب غير مرقمة تسلسليًّا ، و ليس في الكتاب إحصاء ، فليته فعل .
ـ كتاب الإجماع عند الإمام النووي من خلال شرحه لصحيح مسلم ، دراسة أصولية تطبيقية .
لعلي بن أحمد بن محمد الراشدي ـ رسالة ماجستير 1419ه ـ من جامعة أم القرى ،كلية الشريعة ، وقد طبعته دار الفضيلة .
وهو كتاب يجمع بين التأصيل لدليل الإجماع عند الإمام النووي وبين استقراء الإجماعات التي ذكرها الإمام و دراستها، والباحث لم يرقم مسائل الإجماع تسلسيًّا ليعرف عدد الإجماعات .
وقد خلص الباحث إلى عدد من النتائج الإحصائية منها :
ـ عدد المسائل التي ذكر النووي فيها حكاية الإجماع ، و لم يثبت : 34 مسألة .
ـ عدد المسائل التي خالف فيها ابن المنذر في حكاية الإجماع : 3 مسائل .
ـ عدد المسائل التي خالف فيها ابن حزم في حكاية الإجماع : 9 مسائل .
ـ عدد المسائل التي خالف فيها ابن عبد البر في حكاية الإجماع : 6 مسائل .
ـ كتاب إجماعات القاضي عياض في الفقه الإسلامي .
رسالة دكتوراة 1418ه ، د / صالح بن عثمان بن محمد العمري ، جامعة أم القرى ، كلية الشريعة .
وقد استقرأ الباحث عددًا من كتب القاضي عياض ، فاستخرج منها 312 حكاية إجماع على النحو التالي :
ـ كتاب إكمال المعلم بشرح مسلم : 284 إجماعًا .
ـ كتاب التنبيهات : 17 إجماعًا .
ـ كتاب الشفا بحقوق المصطفى : 10 إجماعات .
ـ كتاب الإعلام بحدود و قواعد الإسلام : إجماع واحد .
عدد المسائل التي لم يتحقق فيها الإجماع في نظر الباحث : 6 مسائل .
· كما أن هناك عددًا من الجهود تبذل لاستقراء مؤلفات بعض أعلام أهل العلم لاستخراج حكايتهم للإجماع و دراستها ، مثل إجماعات ابن قدامة في كتاب المغني جمعًا و دراسة وقد تم في عدد من الرسائل الجامعية في جامعة أم القرى ، و إجماعات ابن رشد الحفيد (دراسة وتحقيق من خلال كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد).
وهذه الجهود وغيرها تنتظر من يجمع بينها في نظم واحد لتكون أيسر في التناول و التنظير .
هذا ما يسر الله لي ذكره في هذا المقال ، فإن يكن صوابًا فالحمد لله وحده ، و إن كانت الثانية فأسأل الله أن يغفر لي خطئي و زللي .
نظرات في الإجماع
ومدونات نقله
( 1 )
إنَّ الحمد لله، نحمـده، ونستعينه، ونستغفره، ونــــــعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهــــده الله؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله. وبعد :
فالإجماع هو الدليل الثالث من أدلة التشريع المتفق عليها ، وهو دليل تبعي لا يستقل وحده بالتشريع ، و إنما لابد له من مستند ـ من كتاب أو سنة أو قياس ـ يقوم عليه ، وهو قاطع للخلاف إن وجد ، ولذا فقد اهتم به أهل العلم اهتمامًا بالغًا وحرصوا على نقله في كتبهم ، و منهم من أفرده بمصنف ، وسموا مخالفه شاذًا ، فهو عندهم من أدلة التشريع القطعية التي لا يجوز لأحد مخالفتها.
وهذه كلمات جمعتها في الإجماع و مدونات نقله ، كتبتها تنبيهًا و تنشيطًا لذهن طالب العلم ، و قد جعلت هذه المقالة في سبعة مطالب .
المطلب الأول : تعريف الإجماع لغةً ، واصطلاحًا :
* الإجماع لغة يرد لثلاثة معان :
أحدها : العزم على الشيء والتصميم ومنه قوله تعالى : {فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} سورة يونس: 7 ، أي: أحكموا أمركم ، واعزموا عليه .
و من ذلك حديث حفصة زوج النبي ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: « من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له . » أي : من لم يعزم .
رواه أبو داود (2454 ) ، و الترمذي (739) ، و النسائي (2654) ، وابن ماجه (1700).
الثاني : تجميع المتفرق ومنه قوله تعالى: { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ } سورة التغابن: 9
الثالث : الاتفاق ومنه يقال: أجمع القوم على كذا، إذا اتفقوا عليه.
* الإجماع اصطلاحًا :
قال الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ( 1 / 196) : ((الإجماع عبارة عن : اتفاق جملة أهل الحل والعقد ، من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، في عصر من الأعصار ، على حكم واقعة من الوقائع.))
ـ فمراده بقوله : "اتفاق" : ما يعم الأقوال والأفعال، والسكوت والتقرير ، وبه يخرج اختلافهم ، فلا ينعقد الإجماع مع اختلاف بعضهم.
ـ ومراده بأهل الحل و العقد هنا : أهل الاجتهاد ، فلا يدخل فيه غيرهم من العوام .
ـ ومراده بقوله : "من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ" : أن إجماع الأمم قبلهم ليس بحجة إذ لم تثبت لجماعتهم العصمة .
ـ ومراده بقوله : "في عصر من الأعصار" : أن الإجماع ينعقد بمجرد الاتفاق على الصحيح ، فلا يشترط فيه انقراض العصر .
ـ ومراده بقوله : "على حكم واقعة من الوقائع" : أي على حكم مسألة من المسائل .
فهذه خمسة أركان لا ينعقد الإجماع ، بانتقاص واحد منها .
المطلب الثاني :حجية الإجماع :
من أدلة حجية الإجماع من القرآن :
ـ قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} .
ـ وقول الله تعالى: { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } .
ـ وقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} سورة آل عمران: 110
ـ وقوله تعالى: { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً (115) } سورة النساء
وهذه الآية استدل بها الإمام الشافعي _ رحمه الله _ في إثبات حجية الإجماع وهو أول من استدلَّ بها .
ـ وقوله تعالى: { يأيها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) }
ـ وقوله تعالى: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) }
و من أدلة السنة :
ـ حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : « من فارق الجماعة شبرًا، فمات، فميتة جاهلية» رواه البخاري (7054) ، و مسلم (1849 ) .
و الجماعة جماعتان : جماعة أديان ، و جماعة أبدان .
ـ حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : « نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغلّ عليهن قلب مسلم : إخلاص العلم لله ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم فإن الدعوة تحيط من ورائهم » رواه والترمذي (2656) ، و أبو داود ( 3660 ) ، و ابن ماجه ( 230 ) من حديث زيد بن ثابت ، و قد عدّ في المتواتر .
وأدلة حجية الإجماع كثيرة منتشرة ، وما يرد عليها ، وما ردت به الإيرادات من المشتهرات ، لذا أعرضت عن ذكر موضع الاستدلال ، وما يرد عليه من استشكال ، وما رُدَّ به الاستشكال لما هو أهم ، و بخاصة أنه دليل متفق على حجيته .
المطلب الثالث : أهمية الإجماع ، و حكم منكره :
الإجماع حجة قطعية لا يعارضه شيء من الأدلة ، و لا يجوز لأحد بعد انعقاده أن ينصب الخلاف .
قال الشافعي في الرسالة (ص306): (( وأجمعوا أنه لا يجوز لأحد أن يخرج على أقاويل السلف ـ فيما أجمعوا عليه .
ـ وعما اختلفوا فيه أو في تأويله .
فإن الحق لا يجوز أن يخرج عن أقاويلهم )).
وقال الخطيب في الفقيه و المتفقه ( 1 / 434 ) : ((الإجماع على ضربين :
أحدهما : إجماع الخاصة والعامة
وهو مثل : إجماعهم على القبلة أنها الكعبة ، وعلى صوم رمضان ، ووجوب الحج ، والوضوء ، والصلوات وعددها ، وأوقاتها ، وفرض الزكاة وأشباه ذلك
والضرب الآخر : هو إجماع الخاصة دون العامة ، مثل ما اجتمع عليه العلماء من أن الوطء مفسد للحج ، وكذلك الوطء في الصوم مفسد للصوم ، وأن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، وأن لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ، وأن لا وصية لوارث ، وأن لا يقتل السيد بعبده ، وأشباه ذلك .
ـ فمن جحد الإجماع الأول استتيب ، فإن تاب وإلا قتل .
ـ ومن رد الإجماع الآخر فهو جاهل يُعَلَّمُ ذلك ، فإذا عَلِمَه ثم رده بعد العلم ، قيل له : أنت رجل معاند للحق وأهله . ))
وقال الجويني في البرهان ( 1 /436 ) : (( والإجماع عصام الشريعة ، وعمادها ،وإليه استنادها . ))
وقال ابن تيمية " مجموع الفتاوى جمع ابن القاسم" (20/10): (( وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام، لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم، فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة ))
و الإجماع الذي عناه أهل العلم ، هو الإجماع المتيقن ، وهو إجماع العامة المنقول عن سائر أمة الإجابة كالإجماع على الأركان الخمسة ، أو إجماع الخاصة المنقول عن مجتهدي الأمة ، فلا يدخل فيه العامة و لا أهل البدع و الأهواء و نحوهم .
قال ابن حزم في مراتب الإجماع ( ص 12 ) : (( وصفة الإجماع هو:
ما يتيقن أنه لا خلاف فيه بين أحد من علماء الإسلام. ))
ثم قال : (( وإنما نعني بقولنا "العلماء": من حفظ عنه الفتيا من الصحابة ، والتابعين ، وتابعيهم ، وعلماء الأمصار، وأئمة أهل الحديث ومن تبعهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ .
ولسنا نعني أبا الهذيل ، ولا ابن الأصم ، ولا بشر بن المعتمر ، ولا إبراهيم بن سيار ، ولا جعفر بن حرب ، ولا جعفر بن مبشر ،ولا ثمامة ،و لا أبو عفان و لا الرقاشي، ولا الأزارقة ، والصفرية، ولا جُهّال الإباضية، ولا أهل الرفض.
فإن هؤلاء لم يعتنوا من تثقيف الآثار ومعرفة صحيحها من سقيمها، ولا البحث عن أحكام القرآن لتمييز حق الفتيا من باطلها بطرف محمود.
بل اشتغلوا عن ذلك بالجدال في أصول الاعتقادات. ولكل قوم علمهم. ))
و قال النووي في المجموع ( 2 / 557 ) : (( لكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف علي المذهب الصحيح الذي عليه جمهور أهل الأصول من أصحابنا وغيرهم لاسيما في المسائل الفقهيات ))
وقال ( 9 / 80 ) : ((والشيعة لا يعتد بهم في الإجماع والله أعلم ))
المطلب الرابع : التوسع في دعوى الإجماع :
قد توسع قوم جدًّا في دعوى الإجماع ، حتى أدعي أناس الإجماع بمجرد الاستقراء الناقص ، أو عدم علمه بالمخالف ، ومنهم من ليس من أهل الاستقراء أصالة ، ومنهم من يدعي الإجماع في مسائل فيها خلاف مشهور لا يكاد يخفى على طالب علم ، و منهم من ينقل الإجماع و يريد به إجماع أهل مذهبه ، أو إجماع أصحاب المذاهب الأربعة ، أو إجماع أهل بلدة خاصة ... .
قال ابن حزم في المحلى (1|210): (( ودعوى الإجماع بغير يقين، كذب على الأمة كلها نعوذ بالله من ذلك. ))
وانظر لنقل الزركشي في البحر المحيط (6 /384) عن الشيخ أبي إسحاق الإسفراييني تعلم عظم هذه الدعوى قال : (( وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في " شرح الترتيب ": نحن نعلم أن مسائل الإجماع أكثر من عشرين ألف مسألة.
وبهذا يرد قول الملحدة إن هذا الدين كثير الاختلاف، إذ لو كان حقًّا لما اختلفوا فيه، فنقول: أخطأت بل مسائل الإجماع أكثر من عشرين ألف مسألة .
ثم لها من الفروع التي يقع الاتفاق منها وعليها، وهي صادرة عن مسائل الإجماع التي هي أصول أكثر من مائة ألف مسألة، يبقى قدر ألف مسألة هي من مسائل الاجتهاد . ))
فقد أدعى الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني أن مسائل الإجماع تبلغ أصولها عشرين ألف مسألة ، وأن فروعها التي تنبني عليها مائة ألف مسألة ، وهو من هو منزلة .
وهذه الدعوى فيها كثير من التساهل ولو تؤِّل له ، أما أن مسائل الإجماع كثيرة فنعم ، و أما أنها تبلغ هذا القدر فلا ، و لا قريب منه .
قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (3/370): (( ولا تعبأ بما يُفرض من المسائل ويُدَّعى الصحة فيها بمجرد التهويل، أو بدعوى أن لا خلاف في ذلك.
وقائل ذلك لا يعلم أحداً قال فيها بالصحة، فضلاً عن نفي الخلاف فيها.
وليس الحُكْمُ فيها من الجَّليّات التي لا يُعذر المخالف فيها.
وفي مثل هذه المسائل قال الإمام أحمد: "من ادعى الإجماع فهو كاذب.
فإنما هذه دعوى بشر و ابن علية يريدون أن يبطلوا السنن بذلك".
يعني الإمام أحمد أن المتكلمين في الفقه من أهل الكلام إذا ناظرتهم بالسنن والآثار، قالوا: هذا خلاف الإجماع ))
المطلب الخامس : توجيه ما ورد عن الإمام أحمد _ رحمه الله _ فيما ظاهره رد الإجماع وتأويل أهل العلم لذلك :
جاء عن أحمد ما يوهم رده للإجماع ، وتعذر نقله ، والإنكار على من نقله فمن ذلك :
ـ ما نقله عبد الله بن أحمد بن حنبل [ مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله ( ص 438،439) : (( سمعت أبي يقول : ما يدعي الرجل فيه الإجماع هذا الكذب ، من ادعى الإجماع فهو كذب ،لعل الناس قد اختلفوا ،هذا دعوى بشر المريسي و الأصم ، ولكن لا يعلم الناس يختلفون ،أو لم يبلغه ذلك و لم ينته إليه ، فيقول لا يعلم الناس اختلفوا . ))
ـ وقال المروذي : (( قال أحمد : كيف يجوز للرجل أن يقول : أجمعوا ؟!
إذا سمعتهم يقولون : أجمعوا فاتهمهم ، لو قال : إني لم أعلم لهم مخالفاً جاز . ))
ـ وقال أبو طالب : قال أحمد : (( هذا كذب ما عَلَّمَه أن الناس مجمعون ؟!
ولكن يقول : لا أعلم فيه اختلافاً فهو أحسن من قوله : إجماع الناس . ))
ـ و قال أبو الحارث: (( قال أحمد :لا ينبغي لأحدٍ أن يدعي الإجماع لعل الناس اختلفوا ))
[ قلت : انظر هذه النقول الثلاثة في العدة ( 4 / 1060 ) ، و المسودة ( ص 315 ، 316 ) ،و أعلام الموقعين ( 2 / 247 ، 248 ) ]
و هذا محمول كما مرَّ على من توسع جدًّا في دعوى الإجماع حتى ادعاه لمجرد عدم علمه بالخلاف .
وقد تقرر عند العلماء عامة وعند الحنابلة خاصة أن الإمام أحمد يرى حجية الإجماع وقد استدل به في كثير من المسائل فمنها :
ـ ما نقله ابن قدامة في المغني صريحًا ( 4 /77 / 1270 ) : (( قال في رواية الأثرم ـ يعني الإمام أحمد ـ : أما المقيم إذا ذكرها في السفر ، فذاك بالإجماع يصلي أربعًا ، وإذا نسيها في السفر ، فذكرها في الحضر ، صلى أربعًا بالاحتياط ، فإنما وجبت عليه الساعة .
فذهب أبو عبد الله رحمه الله ، إلى ظاهر الحديث : " فليصلها إذا ذكرها .))
ـ وما نقله الحافظ في فتح الباري ( 4 / 272 ) : (( و قال أبو داود عن أحمد : لا أعلم عن أحد من العلماء خلافًا أنه مسنون))
المطلب السادس : أنواع الإجماع :
· قسم أهل العلم الإجماع باعتبارات مختلفة منها :
1 ـ باعتبار ذاته ، قسموه إلى قسمين :
ـ إجماع صريح ( قولي ، أو عملي ، أو إقراري ، أو مركب منهم ) .
ـ إجماع سكوتي .
2 ـ باعتبار أهله، ينقسم إلى قسمين :
ـ إجماع عامة .
ـ إجماع خاصة .
3 ـ باعتبار عصره، ينقسم إلى قسمين :
ـ إجماع الصحابة ( وهذا النوع هو الذي يحتج به داود الظاهري دون غيره ، وهذا القول : غير مرضي عند عامة أهل العلم. )
ـ إجماع غير الصحابة .
4 ـ باعتبار نقله ، ينقسم إلى قسمين :
ـ متواتر .
ـ آحاد .
· ما اختلف في عده إجماعًا :
وما سبق من تعريف الإجماع بشروطه الخمسة ، هو المعتمد في دعوى الإجماع ، و قد ادعى بعض أهل العلم انعقاد بعض أنواع الإجماع مع مخالفة الشرط الأول خاصة : اتفاق الأمة فمنها:
1ـ قول الأكثر مع مخالفة الواحد أو الاثنين
حجة عند جمع من أهل العلم منهم :
ـ ابن المنذر .
ـ ابن جرير الطبري .
ـ محمد بن نصر المروزي .
ـ ابن عبد البر .
ـ أبو بكر الرازي الحنفي .
ـ أبو الحسين الخياط .
ـ أحد الروايتين عن أحمد .
ـ ابن خويز بنداد المالكي .
ـ و هو اختيار الجويني ، و الغزالي ، و الآمدي ، و ابن الحاجب ، ابن حمدان الحنبلي .
و لابن المنذر من هذا النوع : 124 مسألة ، تبدأ من المسألة : 3 ، و تنتهي بالمسألة : 746 في كتابه الإجماع .
2ـ إجماع العشرة المبشرين بالجنة .
3 ـ إجماع الأربعة ( أبي بكر ، و عمر ، و عثمان ، وعلي ـ رضي الله عنهم ـ ) .
4 ـ إجماع الشيخين ( أبي بكر ، و عمر ـ رضي الله عنهما ـ ).
5 ـ إجماع العترة ( و المراد بالعترة : أهل بيت النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ خاصة ).
6ـ إجماع أهل الحرمين .
7ـ إجماع أهل المدينة .
8 ـ إجماع أهل الكوفة .
9 ـ إجماع أهل البصرة .
10 ـ الإجماع على أقل ما قيل .
11 ـ الإجماع على أكثر ما قيل .
أدلــــــــــــــــة التشــــــــــــــــريع
* أجمعت الأمة على أنه لا حاكم إلا الله ـ عزَّ و جلَّ ـ قال تعالى:
(( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ )) الأنعام: ٥٧
وقال : (( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ )) غافر: ١٢
* إذ قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إخبار عن الله ، فلا حاكم على الحقيقة إلا الله ، ولا حكم إلا ما حكم به ، ولا شرع إلا ما شرعه لنا والأدلة على ذلك كثيرة منها:
قوله تعالى : (( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ )) المائدة: ٤٩
* و يُعرف حكم الله ـ تعالى ـ بإخبار الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن رَبِّه سواء أ كان المخبر به وحيًا متلوًّا وهو القرآن أو غير متلو و هو السنة ، ويدل على ذلك قوله تعالى:
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )) النساء: ٥٩
* فالرد إلى الله ـ عزَّ و جلَّ ـ رد إلى كتابه الكريم ـ القرآن ـ ، والرد إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ رد إلى سنته المشرفة ، فالكتاب و السنة وحيان من عند الله ـ تعالى ـ لقوله تعالى : (( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى )) النجم: ٣ - ٥
* و السنة إنما هي تبيان للكتاب العزيز قال تعالى : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) )) النحل: ٤٤
و قوله : (( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) )) النحل: ٦٤
* فالكتاب و السنة هما الأدلة الأصلية ، وغيرها من أدلة التشريع ، سواء المتفق عليها بين جمهور الأمة : كالإجماع و القياس
* أو المختلف فيها : كسد الذرائع ، و الاستحسان ، و قول الصاحب ، و شرع من قبلنا ، والعرف ، والاستصحاب ، و الاستقراء ، وغيرها تبعية.
** و الأدلة التبعية لا تستقل بتشريع الأحكام ، بل ترجع إلى أحد الدليلين الأصليين : الكتاب أو السنة ، فتستند عليهما في إثبات التشريع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و هذا إحصاء لطيف لأدلة التشريع المتفق عليها و المختلف فيها من كتابي : مناهج العلماء في الاحتجاج بالوحيين بتصرف يسير ـ يسر الله طبعه ـ ( ص 9 إلى 37 )
و قد حذفت الحواشي .
عدَّ القرافي أدلة التشريع استقراء في تنقيح الفصول تسعة عشر دليلاً [ شرح تنقيح الفصول ( ص 472 ، 473 ) والذخيرة ( 1/149 ) .
و هناك خلاف بين لفظه في شرح التنقيح ، وبين لفظه في التنقيح المطبوع في أول الذخيرة وما سقته هو لفظه من الذخيرة ] قال:
(( فأما أدلة مشروعيتها : فتسعة عشر بالاستقراء . )) ثم ذكرها.
وقد تبعه على ذلك نجم الدين الطوفي فعدها تسعة عشر دليلاً حاصرًا أدلة الشرع فيها ، وذلك عند شرحه لحديث لا ضرر ولا ضرار [التعيين في شرح الأربعين ( ص 237:280) ] ، وقد ضمنه بحثًا عن المصلحة ، نشره الشيخ جمال الدين القاسمي ، وقد كتب عليه حاشية أوضح فيها ما يحتاج إليه القارئ من غموض لفظ ، أو إجمال عبارة ، وقد شرح فيها ما دق معناه من الأدلة المختلف فيها .
و قد نشرت الرسالة بحواشيها مجلة المنار [( المجلد 9 / بداية من صفحة 745 إلى صفحة 770 ) نسخة مصورة ،لدار مكتبة ابن تيمية] ، قال الطوفي ( 9 / 746 الطبعة السابقة ):
((اعلم أن أدلة الشرع تسعة عشر بابًا بالاستقراء لا يوجد بين العلماء غيرها
أولها : الكتاب .
وثانيها : السنة .
وثالثها : إجماع الأمة .
و رابعها : إجماع أهل المدينة.
و خامسها : القياس .
و سادسها : قول الصحابي .
و سابعها : المصلحة المرسلة .
و ثامنها : الاستصحاب .
و تاسعها : البراءة الأصلية .
و عاشرها : العادات .
الحادي عشر : الاستقراء .
الثاني عشر : سد الذرائع .
الثالث عشر : الاستدلال .
22الرابع عشر : الاستحسان .
الخامس عشر : الأخذ بالأخف .
السادس عشر : العصمة .
السابع عشر : إجماع أهل الكوفة .
السابع عشر : إجماع العترة عند الشيعة .
التاسع عشر : إجماع الخلفاء الأربعة .
وبعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه ومعرفة حدودها ورسومها والكشف عن حقائقها وتفاصيل أحكامها مذكور في أصول الفقه . ))
ولم يرتض القاسمي في حاشيته حصره للأدلة في هذا العدد فقد قال الطوفي : ((لا يوجد بين العلماء غيرها )) وهذا ما لم يقله القرافي ـ وقد أخذ الطوفي هذا الحصر منه ، ونقل الأدلة بحروفها إلا في تعبير القرافي عن الدليل العاشر : بالعوائد ، فقال الطوفي : العادات ـ وعد ستة و عشرين دليلاً غير ما ذكره القرافي و الطوفي فبلغت جملة الأدلة خمسة و أربعين دليلاً لم يدع حصر الأدلة فيها.
قال القاسمي في الحاشية ( ص 746 الطبعة السابقة ):
(( هذه الجملة زادها على القرافي وليته لم يزدها ؛ لأنه يوجد لديهم غيرها كما يظهر لمن سبر كتب الأصوليين والذي استقرأته منها مما يزيد على ما ذكره ستة وعشرون ، وهي :
شرع من قبلنا إذا لم يُنسخ
والتحري
والعرف
والتعامل
والعمل بالظاهر أو الأظهر
والأخذ بالاحتياط
والقرعة
ومذهب كبار التابعين
والعمل بالأصل
ومعقول النص
وشهادة القلب
وتحكيم الحال
وعموم البلوى
والعمل بالشبهين
ودلالة الاقتران
ودلالة الإلهام
ورؤيا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
والأخذ بأيسر ما قيل
والأخذ بأكثر ما قيل
وفقد الدليل بعد الفحص
وإجماع الصحابة وحدهم
وإجماع الشيخين
وقول الخلفاء الأربعة إذا اتفقوا
وقول الصحابي إذا خالف القياس
والرجوع إلى المنفعة والمضرة ذهابًا إلى أن الأصل في المنافع : الإذن ، وفي المضار : المنع
والقول بالنصوص والإجماع في العبادات والمقدرات وباعتبار المصالح في المعاملات وباقي الأحكام ، وهو للطوفي المصنف
فالجملة خمسة وأربعون دليلاً وسنذكر ما دقّ معناه منها ، فانتظر .))
وقد ذكرها الدكتور أنور شعيب في كتابه : شرع من قبلنا ، ط : مجلس النشر العلمي ،
ط : الأولى ، من ( ص 20 إلى ص 23 )، و جعل الدليل الأخير دليلين ـ وهو لم يصرح بالنقل ، لكونه تصرف في النقل بعض تصرف ، لكني توقعت استفادته منهما لما وجدت تطابقًا بينهم غالبًا ـ ثم زاد عليهما :
1 ـ القياس الاقتراني .
2 ـ القياس الاستثنائي .
3 ـ قياس العكس .
4ـ الاستدلال على فساد الشيء ، بعدم الدليل على صحته .
5 ـ الِاسْتِدْلَال على فَسَادِ الشَّيْءِ بِفَسَادِ نَظِيرِهِ.
6 ـ الِاسْتِدْلَال على عدم الحكم بعدم الدليل .
7ـ التعلق بالأولى .
8 ـ الهاتف الذي يعلم أنه حق .
و لم يذكر من الأدلة التي ذكراها أربعة من الأدلة :
1 ـ الاستدلال .
2 ـ العمل بالأصل .
3 ـ الأخذ بأكثر ما قيل .
4 ـ إجماع الصحابة وحدهم .
وقد زدت عليهم عشرة من الأدلة و هي :
1 ـ القراءة الشاذة .
2 ـ إجماع العشرة.
3 ـ فقد الشرط .
4 ـ وجود المانع .
5 ـ الأخذ بأخف الضررين .
6 ـ القياس التمثيلي .
7ـ وجود المقتضِي ، و انتفاء مُدْرك الحكم .
8 ـ الخروج من الخلاف .
9 ـ إطباق الناس من غير نكير .
10 ـ دلالة السياق .
، وقد ذكر الزركشي من الأدلة المختلف فيها في البحر المحيط ( 4 / 320 إلى 405 ) واحدًا و عشرين دليلاً .
فتكون الأدلة المختلف فيها بين أهل العلم على هذا الإحصاء ثمانية و خمسين دليلاً .
وبعض هذه الأدلة قد يدرج تحت بعض ، و بعضها مكرر ، وبعضها لا يحتج به على الصحيح ، على أني لم أرد بذلك الحصر ، ولم أقصد إليه بل أردت بيان أن الحصر الذي يذكر في بعض المصنفات مبني على استقراء ناقص . و الله أعلم .
الأيمــان
آداب و أحــــــــــــكام
الحمد لله، نحمـده، ونستعينه، ونستغفره، ونــــــعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهــــده الله؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله. وبعد :
فاليمين بالله عبادة من العبادات ، فيه تعظيم للخالق ـ سبحانه و تعالى ـ ، و فيه تأكيد للأخبار و الإنشاءات التي تحتاج للتأكيد ، وقد أمر الله ـ سبحانه و تعالى ـ نبيه ـ صلى الله عليه و سلم ـ بالقسم في مواضع ثلاثة من كتابه تأكيدًا للخبر فقال : {و يستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين } [ سورة يونس : 53 ]
وقال : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} [سورة سبأ: 3]
وقال : {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن} [ سورة التغابن : 7 ]
· فاليمين بالله معظمة و لذا نهى المكلف أن يسرع إليها كلما عنَّى له أمر ، أو أراد أن يمنع نفسه من البر أو التقوى أن يقسم به قال تعالى : { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ سورة البقرة : 224 ] .
· و قد أمر الله بحفظ الأيمان إذا ما وقعت قال تعالى : { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } [ سورة المائدة : 89 ]
· و أمر سبحانه بعدم نقض اليمين إذا ما عقدت قال تعالى : { {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [ سورة النحل : 91]
والمراد من نقض الأيمان هنا عدم الوفاء بها .
· و الكذب في اليمين كبيرة من كبائر الإثم سواء كان الحلف على ماض أو حاضر أو مستقبل .
و أعظم ذلك أن يحلف اليمين كذبًا ليروج به سلعته إن كان بائعًا ، أو يقتطع بها حق امرئٍ مسلم .
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ سورة آل عمران :77 ]
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال :[ جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله ما الكبائر ؟
قال : « الإشراك بالله » .
قال : ثم ماذا ؟
قال : « ثم عقوق الوالدين » .
قال : ثم ماذا ؟
قال : « اليمين الغموس » .
قال : قلت : وما اليمين الغموس ؟
قال : « الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب » .] رواه البخاري (6920 )
و عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : [ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم ( ثلاثًا ) .
قال أبو ذر :خابوا وخسروا ، من هم يا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ؟
قال :
ـ المسبل إزاره
ـ والمنفق سلعته بالحلف الكاذب
ـ والمنان عطاءه . ] رواه مسلم ( 106 ) ، و أبو داود ( 4087 ) ، و النسائي ( 2563 ) و الترمذي ( 1121 ) ، و ابن ماجه ( 2208 ) .
و يمكن تصور أحكام اليمين و أقسامه بتصور أركانه التي ينبني عليها ، و شرائط تلك الأركان التي يجب أن تتصف بها .
أركان اليمين أو القسم و شرائطها:
و أركان اليمين أو القسم أربعة أركان :
1ـ المقسِم
2ـ أداة القسَم
3ـ المقسَم به ، أو له
4ـ المقسم عليه .
الركن الأول : المقسِم : وهو صاحب اليمين أو القسم ، و من شرائطه حتى تنعقد يمينه :
1ـ أن يكون مميزًا ، و سن التمييز عند الفقهاء سبع سنوات ، فإن كان غير مميز فلا تنعقد يمينه .
و لا تجب الكفارة في يمين المميز إذا حنث بل تستحب لأنه غير مكلف ، فلا تجب الكفارة بالحنث إلا على البالغ .
2 ـ أن يكون عاقلاً ، فالعقل مناط التكليف ، فإن كان مجنونًا لا تنعقد يمينه .
و دلي هذين الشرطين حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [ رفع القلم عن ثلاثة :
ـ عن النائم حتى يستيقظ
ـ وعن المبتلى حتى يبرأ
ـ وعن الصبى حتى يكبر . ] رواه أبو داود (4398) ، وابن ماجه (2041)، والنسائي في "الكبرى" (5596) .
3 ـ أن يكون مختارًا ، فإن كان مكرهًا فلا تنعقد يمينه .
4 ـ أن يكون ذاكرًا ليمينه ، فإن حلف ناسيًا فلا تنعقد يمينه .
و دليل هذين الشرطين حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « إن الله وضع عن أمتي : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ».رواه ابن ماجه (2123) .
و تقدير المحذوف في الحديث بدلالة الاقتضاء على الراجح حكم فيكون المعنى ، إن الله وضع عن أمتي حكم و إثم الخطأ ، و النسيان ، و ما استكرهوا عليه .
5 ـ أن يكون قاصدًا لليمين ، فإن كان مخطأ بأن أراد كلامًا فأخطأ بذكر اليمين ، فلا تنعقد اليمين لما مر من الحديث السابق .
و إن جرى اليمين على لسانه دون أن يقصد عقده فلا تنعقد اليمين لقوله تعالى : { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }[ سورة البقرة : 225 ] .
قال ابن كثير : ((أي لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية، وهي التي لا يقصدها الحالف بل تجري على لسانه عادة من غير تعقيد ولا تأكيد . ))
6 ـ أن يكون عالمًا بالحكم ، و المراد إجمالاً و هو أن الله عظم اليمين و أوجب الصدق و الوفاء بها .
الركن الثاني : أداة القسم : و أدوات القسم ثلاث : الباء ، و الواو ، و التاء .
فالباء : أوسعها استخدامًا في اللغة ، فإنها تدخل على الاسم الظاهر فتقول : بالله ، و بالرحمن
و تدخل على الاسم المضمر تقول : به أقسم ، وأحلف به
ويذكر معها فعل القسم فتقول : أقسم بالله ، أحلف بالرحمن
و يحذف معها فعل القسم فتقول : بالله لأصلين جماعة .
و الواو : أكثرها استعمالاً على ألسنة الناس و إن كانت أقل استخدامًا في اللغة ، فهي لا تدخل إلا على الاسم الظاهر فلا تدخل عل المضمر تقول : والله لأفين بالوعد
و لا يذكر معها فعل القسم .
و التاء : أقل حروف القسم استخدامًا في اللغة فهي لا تدخل إلا على لفظ الجلالة كقوله : { وتالله لأكيدن أصنامكم } [ سورة الأنبياء :57 ]
و قد تدخل على لفظ الرب كقولك : ترب الكعبة أو البيت لأصومن النوافل .
الركن الثالث : المقسم به أو له :
أما المقسم به : فيشترط لانعقاد القسم أن يكون بأسماء الله الحسنى ، أو صفة من صفاته العُلى ، فإن كان القسم بغير الله فلا ينعقد اليمين .
و القسم بغير الله لا يجوز ، و هو من شرك الألفاظ لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما ـ أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه .
فناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفًا فليحلف بالله ، وإلا فليصمت » . رواه البخاري (6108 ) ، و مسلم ( 1606 ) .
و عن سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع رجلًا يقول : لا والكعبة.
فقال ابن عمر : لا يحلف بغير الله .
فإنى سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : « من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ».رواه الترمذي (1620) .
و إن أقسم بغير الله تعظيمًا للمقسم به كتعظيم الله فهذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة بلا خلاف .
·
و من الأقسام التي تدور على ألسنة الناس أيضًا :
الحلف بآيات الله : و هذا يحتمل معنيين : آيات الله يعني كلامه ، و آيات الكونية كالشمس و القمر ، و النجوم ...
فإن أراد بآيات الله القرآن فهو جائز فهو كلام الله و هو صفة من صفاته ، و أراد آيات الله الكونية فهي مخلوقة فلا يجوز الحلف بها ، و هذا من شرك الألفاظ كما مر .
الحلف بالنبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ، و العرش ، و الكعبة و غيرها : وهذا من القسم بغير الله ـ سبحانه وتعالى ـ فلا يجوز ، و لا تنعقد به اليمين و هو من الشرك الأصغر لحديث ابن عمر السابق .
الحلف بالأمانة و الذمة و نحوهما : هو أيضًا من الحلف بغير الله فلا يجوز لحديث بُريدَةَ - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ حَلَفَ بِالأمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا )) رواه أبو داود (3253) .
· أما المقسم له : فقد عدا بعض أهل العلم هذا القسم من جملة الأيمان ، و عليه فإنه داخل في هذا الركن فهو قسم منه .
و هو أن يلتزم شيئًا لله إن فعل كذا ، أو ترك كذا ، كأن يقول عليَّ أو يلزمني الطلاق أو العتاق إن فعلت كذا أو تركت كذا ـ فصورته صورة نذر اللجاج و قد سبق الحديث عنه في المقال السابق ( النذر أحكام و آداب ) ـ وهو قول الحنفية و إحدى الروايتين عن أحمد و هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .
قال شيخ الإسلام "مجموع الفتاوى ، جمع الشيخ عبد الرحمن بن القاسم " ( 33 / 125 ، 126 ) : ((النوع الثاني " أيمان المسلمين. فإن حلف باسم الله فهي أيمان منعقدة بالنص والإجماع وفيها الكفارة إذا حنث.
وإذا حلف بما يلتزمه لله كالحلف بالنذر والظهار والحرام والطلاق والعتاق مثل أن يقول: إن فعلت كذا فعلي عشر حجج، أو فمالي صدقة، أو: علي صيام شهر، أو: فنسائي طوالق: أو عبيدي أحرار، أو يقول: الحل علي حرام لا أفعل كذا، أو الطلاق يلزمني لا أفعل كذا وكذا. أو إلا فعلت كذا. وإن فعلت كذا فنسائي طوالق، أو عبيدي أحرار ونحو ذلك؛ فهذه الأيمان أيمان المسلمين عند الصحابة وجمهور العلماء وهي أيمان منعقدة.
وقال طائفة: بل هو من جنس الحلف بالمخلوقات فلا تنعقد.
والأول أصح وهو قول الصحابة؛ فإن عمر وابن عمر وابن عباس وغيرهم كانوا ينهون عن النوع الأول.
وكانوا يأمرون من حلف بالنوع الثاني أن يكفر عن يمينه ولا ينهونه عن ذلك فإن هذا من جنس الحلف بالله والنذر لله . ))
ثم قال : ((والصحيح أن هذه الأيمان كلها فيها كفارة إذا حنث ولا يلزمه إذا حنث لا نذر ولا طلاق ولا عتاق ولا حرام.
وهذا معنى أقوال الصحابة فقد ثبت النقل عنهم صريح بذلك في الحلف بالعتق والنذر، وتعليلهم وعموم كلامهم يتناول الحلف بالطلاق وقد ثبت عن غير واحد من السلف أنه لا يلزم الحلف بالطلاق طلاقًا كما ثبت عن طاووس وعكرمة وعن أبي جعفر وجعفر ابن محمد
. ومن هؤلاء من ألزم الكفارة وهو الصحيح.
ومنهم من لم يلزمه الكفارة.
فللعلماء في الحلف بالطلاق أكثر من " أربعة أقوال "
قيل: يلزمه مطلقا؛ كقول الأربعة.
وقيل: لا يلزمه مطلقًا؛ كقول أبي عبد الرحمن الشافعي وابن حزم وغيرهما.
وقيل: إن قصد به اليمين لم يلزمه وهو أصح الأقوال؛ وهو معنى قول الصحابة " اليمين ". ))
ومن الصور المحرمة لهذا النوع ( المقسم له ): أن يلتزم ملة غير الإسلام
كالحلف بالحرام من الدين أو بالبراءة من الإسلام : فمن حلف أنه حرام من دينه أو بريء من الإسلام إن فعل كذا و كذا فإن كذب فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الكبائر ، و إن صدق فلن يرجع للإسلام سالمًا لحديث بُريدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : من حلف، فقال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبًا فهو كما قال، وإن كان صادقًا فلن يرجع إلى الإسلام سالمًا )) . رواه أَبُو داود ( 3258) ، والنسائي (3772 ) ، وابن ماجه (2100).
الحلف على ملة غير الإسلام : كأن يقول هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا ، أو إن ترك كذا من الإثم العظيم لحديث ثابت بن الضحاك ـ رضي الله عنه ـ قال رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا، فهو كما قال . » رواه البخاري (1363) ، و مسلم (176) .
و لا كفارة له فهي يمين غير منعقدة ، و عليه أن يتوب إلى توبة نصوحًا .
الركن الرابع : المقسم عليه : فهو ينقسم في الجملة إلى قسمين :
الأول : أن يقسم على مشروع فإما أن يكون واجبًا ، فيجب عليه الوفاء بيمينه و يحرم علي الحنث ، و إما أن يكون مستحبًا فيستحب له الوفاء باليمين ، و يباح له الكفارة ، و إما أن يكون مباحًا فقد يكون غيره خير منه فيستحب له أن يكفر عن يمينه و يأت الذي هو خير لحديث أبى موسى الأشعري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها ، إلا كفرت عن يميني ، وأتيت الذي هو خير » رواه البخاري ( 6718 ) ، ومسلم (1649) ، وأبو داود (3276) ، وابن ماجه (2107) .
الآخر : أن يقسم على غير مشروع كترك واجب أو فعل محرم ، فهذا يحرم الوفاء به ، و تجب الكفارة .
كفارات الأيمان :
المراد بالكفارة في باب الأيمان ما يخرج الحانث من يمينه ، و الإجماع منعقد على أنه لا تجب إلا بالحنث .
قال ابن عبد البر في الاستذكار ( 5 / 197 ) : (( فإن الكفارة لا تتعلق باليمين عند الجميع ، وإنما تتعلق بالحنث . ))
فإذا حنث في يمينه أخرجته الكفارة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية "مجموع الفتاوى ، جمع الشيخ عبد الرحمن بن القاسم " ( 35 / 251 ) (( وكانوا في أول الإسلام لا مخرج لهم من اليمين قبل أن تشرع الكفارة . ))
و الكفارة مشروعة بالكتاب و السنة ، و قد انعقد الإجماع عليهما ، فأما الكتاب فقوله تعالى : {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[ سورة المائدة : 89 ]
و أما السنة فمنها حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : (( من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها ، فليكفر عن يمينه و ليأت الذي هو خير )) رواه مسلم ( 1650 ) .
و قال ابن المنذر في الإجماع ( ص 137 ) : (( و أجمعوا على أن من حلف باسم من أسماء الله تعالى ، ثم حنث أن عليه الكفارة . ))
· و اليمين التي تدخلها الكفارة هي ما توفر فيها شروط أربعة:
1ـ أن تكون باسم من أسماء الله ، أو بصفة من صفاته ، فإن كانت بغير ذلك فلا تدخلها الكفارة .
2ـ أن يقصد بها المكلف اليمين فتلك اليمين المنعقدة ، فإن كانت لغوًا فلا تدخلها الكفارة .
3ـ أن تكون على أمر مستقبل ، فإن كانت على أمر ماض فإما أن يكون صادقًا ، أو ظانًا صدق نفسه فأخطأ ،فلا تدخلها الكفارة ، أما إن كان كاذبًا فتلك اليمين الغموس على قول ، و الصحيح أنها لا تدخلها الكفارة .
قال ابن المنذر في الإشراف ( 7 / 117) : (( وقال الحسن: إذا حلف على أمر كاذبًا متعمدًا، فليس فيه كفارة.
وهذا قول مالك، ومن تبعه من أهل المدينة.
وبه قال الأوزاعي ومن وافقه من أهل الشام.
وقول الثوري وأهل العراق.
وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، وأصحاب الحديث، وأصحاب الرأي من أهل الكوفة.
قال أبو بكر:
وقول النبي- صلى الله عليه وسلم - من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأتِ الذي هو خيرٌ، وليُكفّر عن يمينه".
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: فليكفر عن يمينه، ويأتِ الذي هو خيرٌ".
يدل على أن الكفارة إنما تجب فيمن حلف على فعل يفعله فيما يستقبل فلا يفعله، أو على فعل ألا يفعله فيما يستقبل، فيفعله.
وفي هذه المسألة قول ثان: وهو أن يكفر، وإن أثم وعمد الحلف بالله كاذباً، هذا قول الشافعي .
قال أبو بكر: ولا نعلم خبراً يدل على هذا القول، والكتاب والسنة دالان على القول الأول.))
4 ــ ألا يستثني في يمينه ، فإن استثنى خرج من يمينه بلا كفارة .
و الاستثناء أن يقول : إن شاء الله ، كأن يقول : والله لا أفعل كذا إن شاء الله .
لحديث ابن عمر قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « من حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك غير حنث ».
رواه أبو داود (3264 ) ، والنسائى (3793) ، والترمذي ( 1616 ) ، وابن ماجه (2105) .
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ : { فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ . } .
و الاستثناء الرافع للكفارة ما اتصل باليمين لفظًا ، فإن استثنى في نفسه لم ينفعه الاستثناء .
قال ابن المنذر في الإشراف (7 / 120 ـ 121 ) : ((ولا يكون الاستثناء بالقلب، وإنما يكون مستثنى باللسان، لقوله: "فقال: إن شاء الله.
وهذا قول مالك بن أنس، والثوري، والأوزاعي، والليث ابن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وممن حفظنا عنه أنه قال: لا يكون مستثنى حتى يظهر الاستثناء بلسانه، الحسن البصري، والنخعي، وحماد، والثوري، والكوفي
، وأحمد، وإسحاق وهو يشبه مذهب الشافعي، وأبي ثور.))
فإن اجتمعت تلك الشروط في يمين ، وحنث المكلف فيها وجبت الكفارة ، و إن تخلف منها شرط فلا تجب .
قال ابن هبيرة في الإفصاح ( 2 / 231 ) : (( و أجمعوا على أن اليمين المنعقدة هو :
أن يحلف على أمر من المستقبل أن يفعله أو لا يفعله ، فإذا حنث وجبت الكفارة . ))
بم يكفر الحانث ؟
كفارة اليمين تنقسم في الجملة إلى قسمين على الترتيب ، فلا ينتقل من القسم الأول إلى الآخر إلا بالعجز .
القسم الأول : الحانث في يمينه مخير فيها بين خصلة من ثلاث :
1 ـ عتق رقبة مؤمنة .
2 ـ إطعام عشرة مساكين ، من أوسط طعامه .
3 ـ كسوة عشرة مسكين ، و يجزئ فيها ما يسمى كسوة كسراويل ـ بنطلون ـ ، أو قميص ...
القسم الآخر : مرتب على القسم السابق فإن عجز عن خصاله انتقل إليه ، و هو صيام ثلاثة أيام
قال تعالى : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ }[ سورة المائدة : 89 ]
متى يكفر عن يمينه ؟
أجمع أهل العلم على أن الكفارة عن اليمين بعد الحنث مجزئة ، و ذهب بعض أهل العلم إلى جوازها عند إرادة الحنث قبل وقوعه ، و هو الصحيح لحديث أبى موسى الأشعري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها ، إلا كفرت عن يميني ، وأتيت الذي هو خير » وقد تقدم قريبًا .
وموضع الشاهد فيه تقديم الكفارة على الحنث .
هذا ما يسر الله عرضه في هذا المقال ، و هو يجمع جُلَّ أحكام اليمين فله الفضل وحده فيما فيه من إصابة و توفيق ، و أسأله سبحانه أن يغفر لي زللي ,وخطئي إنه نعم المولى و نعم النصير .
الاعتــــــــــــــكاف
أحــــــــــــــــــــــــكام و آداب
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد :
* فالإعتكاف طاعة من أحب الطاعات المستحبة إلى الله تعالى .
قال الله ـ تعالى ـ : (( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)) البقرة 125.
وقال : (( ولاتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) البقرة 187.
وقال : (( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )) الحج 25.
* تعريف الاعتكاف:
مادة عكف تأتي في اللغة لمعانٍ منها :
ـ القيام على الشيء و لزومه .
ـ الحبس .
ـ الدوام .
ـ الاقبال على الأمر لا تنصرف عنه .
و زيادة المبنى في كلمة الاعتكاف ، تدل على زيادة في المعنى الأصلي .
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة ( 4 / 108 ) :
(( عكف : العين و الكاف و الفاء
أصل صحيح يدل على مقابلة وحبس، يقال: عكف يعكف ويعكف عكوفًا، وذلك إقبالك على الشيء لا تنصرف عنه. ))
و قال التهانوي في موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ( 1 / 230 ) :
(( هو افتعال من عكف إذا دام .
وعكفه حبسه فهو في اللغة اللبث والدّوام ))
و قال الأزهري في تهذيب اللغة ( 1 / 209 ) :
(( عكف: قال الله جل وعز: { و أنتم عاكفون في المساجد } (البقرة: 187) .
عاكفون: مقيمون في المساجد، عكف يعكف ويعكف، إذا أقام.
و منه قوله: { يعكفون على أصنام لهم } (الأعراف: 138) أي يقيمون .
و أما قوله جل وعز: { الحرام والهدى معكوفًا أن يبلغ } (الفتح: 25) فإن مجاهدًا وعطاء قالا: محبوسًا.
و كذلك قال الفراء. يقال عكفته أعكفه عكفًا، إذا حبسته. وقد عكفت القوم عن كذا، أي حبستهم. ))
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (2/707) : (( و التاء في الاعتكاف تفيد ضرباً من المعالجة والمزاولة؛ لأن فيه كلفة . ))
* و الاعتكاف شرعًا : لزوم المسلم المسجد بنية مخصوصة ، بصفة مخصوصة .
و يقال للاعتكاف المجاورة ، و هو اسم شرعي و إن غلب الأول .
فعن أبى سعيد الخدري - رضى الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- « إني كنت أجاور هذه العشر ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر وقد رأيتني أسجد في ماء وطين ». رواه البخاري (2018 ) ، و مسلم (2826 ) .
و عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : (( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض . )) رواه البخاري (2028) ، و مسلم (712) .
قال الحافظ في الفتح ( 4 / 273 ) : (( و يؤخذ منه أن المجاورة و الاعتكاف واحد . ))
* حــــــكم الاعتــكاف :
و الاعتكاف مشروع بالكتاب ، و السنة ، و الإجماع
قال تعالى : { و أنتم عاكفون في المساجد } (البقرة: 187) .
و قد اعتكف النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ حتى توفاه الله ، فلم يترك الاعتكاف قط في العشر الأواخر من رمضان ، و لما تركه عامًا قضاه في شوال ، و قد اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين يومًا .
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده )
رواه البخاري ( 2026 ) ومسلم ( 1172 ) .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً ) رواه البخاري ( 2044 )
و قد نقل الإجماع على مشروعيته غير واحد من أهل العلم منهم : ابن المنذر ، و ابن حزم ، و ابن هبيرة ...
قال ابن المنذر في كتابه الإجماع ( ص 53 ) : (( وأجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضًا إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذرًا فيجب عليه . ))
و قال الإمام أحمد فيما رواه عنه أبو داود : (( لا أعلم عن أحد من العلماء إلا أنه مسنون . ))
فالاعتكاف مندوب على الصحيح طوال العام ، و يتأكد ندبه في العشر الأواخر من رمضان ، و أما غير في غير رمضان فالجمهور على استحبابه ، و ذهب بعض أهل العلم إلى جوازه في غير رمضان ، و قد نقل بعض أهل العلم الإجماع عليه ، و هو إجماع على أقل ما قيل فيه .
قال ابن عبد البر في الاستذكار (10/273 ) : (( و أجمعوا أن سنة الاعتكاف المندوب إليها شهر رمضان كله ، أو بعضه ، وأنه جائز في السنة كلها ، إلا ما ذكرنا . ))
و قد يجب الاعتكاف بإيجاب المرء على نفسه بالنذر ، فإن نذر التبرر يجب الوفاء به .
و الاعتكاف عبادة قديمة كانت في الأمم السابقة و هي من ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ قال الله ـ تعالى ـ : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } (البقرة: 125) .
* محـــــل الاعتـــــــــــــــــــــــكاف :
مكان الاعتكاف كل مسجد تقام فيه الجمع و الجماعات على الصحيح لقوله ـ تعالى ـ : { و أنتم عاكفون في المساجد } (البقرة: 187) .
و ذلك قول جمهور أهل العلم من السلف و الخلف إلا من شذ منهم .
* متى يدخل معتكف العشر المسجد ؟
يدخل المعتكف المسجد قبل غروب شمس يوم العشرين من رمضان ليلة الواحد و العشرين .
و أما حديث عن عائشة - رضى الله عنها - قالت : (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه . ))
رواه البخاري ( 1928 ) ، ومسلم ( 1173 )
ففيه أنه دخل المعتكف بعد صلاة الفجر ، و المراد به مكان الاعتكاف ، و هو الخباء الذي كان يضرب له ، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية . رواه مسلم ( 1167 )
وفي الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم- قد كان موجودًا في المسجد قبل ذلك و قد صلى الفجر فيه .
و يدل لذلك أيضًا حديث أبي سعيد الخدري - رضى الله عنه – ففيه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- « فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه ». رواه البخاري (2018 ) ، و مسلم (2826 ) .
* شروط الاعتـــــكاف :
ـ الإسلام و هو شرط لصحة الاعتكاف .
ـ التمييز .
ـ العقل .
ـ المسجد الجامع .
ـ النية و هي شرط للصحة .
ـ الطهارة من الحدث الأكبر على الصحيح .
و ليس من شروطه على الراجح الصوم ، لحديث ابن عمر أن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: (( يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية.
فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فأوف بنذرك .)) رواه البخاري( 2032) ، و مسلم ( 1656) .
وليس الليل محلاً للصيام ، و إنما النهار محله ، و يؤخذ من هذا النص أيضًا جواز الاعتكاف أقل من يوم و ليلة و أن الاعتكاف يتجزأ.
و أما قول ابن قيم الجوزية في الزاد ( 2 / 83 ) : (( و لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطرًا قط، بل قد قالت عائشة: «لا اعتكاف إلا بصوم» .
و لم يذكر الله سبحانه الاعتكاف إلا مع الصوم، و لا فعله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا مع الصوم.
فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف: أن الصوم شرط في الاعتكاف، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية. ))
فهو محجوج بما سبق ، و قد ورد أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتكف في شوال رواه البخاري ( 1928 ) ومسلم ( 1173 ) .
و يحتمل هذا أنه اعتكف أول يوم في شوال فيكون هذا كالنص على أنه لا يشترط للاعتكاف الصوم ، لأن صوم يوم العيد منهي عنه .
و يحتمل أنه صام بعده ، فعندئذ نقول : ولم يثبت أنه كان صائماً في هذه الأيام التي اعتكافها ، ولا أنه كان مفطرًا .
غير أن هذه الأدلة تدل على استحباب الصيام للمعتكف .
و على هذا :
ـ يصح اعتكاف المعذور بالفطر في نهار رمضان كالمريض و المسافر ، إن أخذ بالرخصة .
ـ يصح الاعتكاف في غير رمضان للمفطر .
* مفسدات الاعتكاف :
ـ الخروج من المعتكف لغير حاجة ، لأنه ينافي مقصود الاعتكاف .
ـ الحيض و النفاس بالنسبة للمرأة .
ـ الجماع لقوله تعالى : { و لا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون (187) } ( البقرة ) .
ـ الردة لقوله تعالى : {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}
* هل يجوز للمعتكف الخروج لبعض الطاعات كعيادة المريض أو شهود الجنازة ؟
الجواب : لا يجوز للمعتكف الخروج من معتكفه لزيارة المريض ، أو شهود الجنازة ، لحديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : (( السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا , ولا يشهد جنازة , ولا يمس امرأة , ولا يباشرها , ولا يخرج لحاجة , إلا لما لا بد منه , ولا اعتكاف إلا بصوم , ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع )) . رواه أبو داود ( 2475 ) .
أما إذا كان المريض ذا رحم ، و يخشى موته ففي عدم زيارته قطيعة للرحم ، و قد جوز بعض أهل العلم عيادة المريض ، و شهود الجنازة ، و فعل العبادات التي لا تنافي الاعتكاف مما يحتاج معه إلى الخروج مطلقًا إذا اشترط ذلك في أول الاعتكاف ، و فيما قالوه تأمل .
* من آداب الاعتكاف :
ـ إحياء الليل بالصلاة فعن عائشة - رضى الله عنها - قالت :
(( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر
• أحيا الليل
• و أيقظ أهله
• و جد
• و شد المئزر. )) رواه البخاري ( 2024) ، و مسلم (2844 ) .
ـ تحري ليلة القدر فقد كان هذا المقصد الأساس للنبي ـ صلى الله عليه وسلم- من الاعتكاف .
فعن أبى سعيد الخدري - رضى الله عنه – قال : (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يجاور في العشر التي في وسط الشهر فإذا كان من حين تمضى عشرون ليلة ويستقبل إحدى وعشرين يرجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه ، ثم إنه أقام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم بما شاء الله ثم قال : « إني كنت أجاور هذه العشر ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه ، وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر ، و قد رأيتني أسجد في ماء وطين ».
قال أبو سعيد الخدري مطرنا ليلة إحدى وعشرين فوكف المسجد في مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه مبتل طينا وماء. )) رواه البخاري (2018 ) ، و مسلم (2826 ) .
ـ قراءة القرآن ، و الإكثار من ذلك ، فقد قرن الله بين الصيام و القرآن فقال :
{ شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} ( البقرة:185) .
و عن ابن عباس ، قال : (( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود بالخير من الريح المرسلة. )) رواه البخاري (1902 ) ، و مسلم (2308 ) .
و عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( الصيام والقرآن يشفعان للعبد .
يقول الصيام : رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه .
ويقول القرآن : رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه .
فيشفعان . )) رواه أحمد (6626 ) .
ـ أعمال البر ، و الصدقة لحديث ابن عباس السابق ، و لحديث عائشة و فيه قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : (( آلبرَّ تُردْن ؟ )) و سيأتي بطوله
و الشاهد فيه أنه يراد بالاعتكاف أعمال البر .
ـ الكف عن فضول :
• الكلام .
• الطعام .
• و الاجتماع لغير طاعة .
• أمور الدنيا التي لا يحتاج إليها في معتكفه .
قال ابن قدامة في المغني ( 3 / 146 ) : (( يستحب للمعتكف :
ـ التشاغل بالصلاة
ـ و تلاوة القرآن
ـ و ذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة
ـ و يجتنب ما لا يعينه من الأقوال والأفعال ولا يكثر الكلام لأن من كثر كلامه كثر سقطه وفي الحديث : [ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ]
ـ و يجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى
ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحظوره وعكسه الوطء ))
ثم قال : ((
ـ فأما إقراء القرآن
ـ و تدريس العلم و درسه
ـ ومناظرة الفقهاء ومجالستهم
ـ و كتابة الحديث
ونحو ذلك مما يتعدى نفعه فأكثر أصحابنا على أنه لا يستحب وهو ظاهر كلام أحمد
و قال أبو الحسن الآمدي : في استحباب ذلك روايتان
واختار أبو الخطاب أنه مستحب إذا قصد به طاعة الله تعالى لا المباهاة ، وهذا مذهب الشافعي .
لأن ذلك أفضل العبادات ونفعه يتعادى فكان أولى من تركه كالصلاة .
واحتج أصحابنا بأن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ كان يعتكف فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة به ,
ولأن الاعتكاف عبادة من شرطها المسجد فلم يستحب فيها ذلك كالطواف وما ذكروه يبطل بعيادة المرضى وشهود الجنازة .
فعلى هذا القول فعله لهذه الأفعال أفضل من الاعتكاف .
قال المروذي : قلت لأبي عبد الله : أن رجلًا يقرئ في المسجد كان له ولغيره
يقرئ أحب إلي .
وسئل أيما أحب إليك : الاعتكاف أو الخروج إلى عبادان ؟
قال : ليس يعدل الجهاد عندي شيء يعني أن الخروج إلى عبادان أفضل من الاعتكاف . ))
* مما يباح للمعتكف :
ـ الترجل ، و التنظف ، و التزين لحديث عائشة :
أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ (( كان إذا اعتكف يدني إلى رأسه أرجله ، وكان لا يدخل بيته إلا لحاجة الإنسان . )) رواه البخاري ( 1924 ) ، ( 1926 ) ومسلم ( 297 ) .
قال الحافظ في الفتح ( 4 / 807 ) : (( و في الحديث جواز التنظيف والتطيب والغسل والحلق والتزين إلحاقاً بالترجل ، والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد )).
ـ جواز الخروج ببعض البدن للحديث السابق ، ففيه بيان أن إخراج المعتكف لبعض بدنه ليس خروجًا من المعتكف .
ـ الخروج للحاجة ـ كالطعام و الشراب و التخلي ـ للحديث السابق ففيه frown رمز تعبيري وكان لا يدخل بيته إلا لحاجة الإنسان . ) و مفهومه جواز الخروج للحاجة .
ـ صحبة أهله إذا زاروه فيقلبهم إلى مأمنهم ففي الصحيحين عن على بن حسين عن صفية بنت حيي قالت : (( كان النبي - صلى الله عليه وسلم- معتكفًا فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني.
وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم – أسرعا .
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : على رسلكما إنها صفية بنت حيي.
فقالا : سبحان الله يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال : إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم و إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا.
أو قال : شيئًا . )) رواه البخاري (2035 ) ، ومسلم (2175 ) .
قال الحافظ في الفتح ( 4 / 280 ) : ((وفي الحديث من الفوائد :
ـ جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره .
ـ وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة
ـ و زيارة المرأة للمعتكف
ـ و بيان شفقته ـ صلى الله عليه و سلم ـ على أمته
ـ وارشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم .
ـ و فيه التحرز من التعرض لسوء الظن
ـ و الاحتفاظ من كيد الشيطان
و الاعتذار . ))
* متى يخرج المعتكف من معتكفه ؟
للمعتكف ثلاثة أحوال :
الأول : أن يريد اعتكاف الأيام و الليالي ، فهذا يدخل قبل غروب الشمس إلى معتكفه ، ثم لا يخرج منه إلا بعد غروب شمس آخر يوم أراده .
الثاني : أن يريد اعتكاف الأيام فقط ، فهذا يدخل معتكفه مع طلوع الفجر الصادق ، و يخرج منه بعد غروبها .
الثالث : أن يريد اعتكاف الليالي دون الأيام فهذا يدخل المعتكف قبيل غروب الشمس ، و يخرج منه بعد طلوع الفجر الصادق .
قال الحافظ في الفتح (4/356 ) : (( وهو محمول ـ يعني حديث أبي سعيد الخدري ـ على أنه أراد اعتكاف الليالي دون الأيام، وسبيل من أراد ذلك أن يدخل قبيل غروب الشمس ويخرج بعد طلوع الفجر، فإن أراد اعتكاف الأيام خاصة فيدخل مع طلوع الفجر ويخرج بعد غروب الشمس، فإن أراد اعتكاف الأيام والليالي معاً فيدخل قبل غروب الشمس ويخرج بعد غروب الشمس أيضًا )).
هذا و الله أعلم بالصواب ، و إليه المرجع و المآب .
دعم وتطوير حلول سوفت | |