إنَّ الحمد لله، نحمـده، ونستعينه، ونستغفره، ونــــــعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهــــده الله؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . و بعد :
فمن أجل النعم التي أنعم الله بها على عباده نعمة الولد ، قال الله تعالى : { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) }[ سورة الشورى ]
فالولد هبة عظيمة من الله ـ عز و جل ـ يمتن به على من يشاء من عباده ، فيهبه إن شاء الإناث ، و إن شاء الذكور ، و إن شاء وهبه ذكورًا و إناثًا ، فيمتن على عباده بما يشاء ، و إن شاء حرمه الولد فيكون عقيمًا .
و قد قال الله ـ تعالى ـ في سورة النعم ( النحل ) : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) }[ سورة النحل ]
قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ ( 1 / 429 ـ 430 ) : « الحفدة جمع حافدٍ نحو بارٍ وبررة، و الحافد: الخادم المسرع في الخدمة، وسواء كانوا أقارب أم أجانب، من أسرع في خدمتك فقد حفدك، يحفدك، فهو حافدك.
وقال المفسرون: هم الأسباط؛ يعنون أولاد الأولاد.
وقال الآخرون: هم الأختان ، والأصهار.
وكأنهم رأوا أن خدمة هؤلاء أصدق من خدمة غيرهم، فلذلك خصوهم بالمثال.»
فمن حرم الولد ، فقد حرم خيرًا عظيمًا ، وهذا خليل الرحمن نبي الله و رسوله إبراهيم ـ صلى الله عليه و سلم ـ قد حرم الولد حتى بلغ به الكبر ، فكان يدعو ربه حتى امتن عليه فاستجاب له ، و رزقه الولد ، فرزقه إسماعيل من سريته هاجر ، و إسحاق من زوجته سارة قال الله ـ تعالى ـ حاكيًا دعاء الثناء من إبراهيم : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) }[ سورة إبراهيم ]
فلا تكتمل سعادة الخلق إلا بهذه الهبة العظيمة لذا كان من دعاء المؤمنين :
فالولد زينة الحياة الدنيا ، لا تكتمل زينتها إلا به ، و لا يقدر هذه النعمة قدرها إلا من حرمها ، و لعل ذلك من حكم الإله في أن يجعل في بعض خلقه العقيم قال الله ـ تعالى ـ : { الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) }[ سورة الكهف ]
فإذا أدرك المكلف هذا ، فليعلم أن كل نعمة تستوجب الشكر ، و الشكر منه الواجب ، و المستحب .
وهذا موضوع التكليف كله ، لكن ما أردته هنا هو : ذكر بعض آداب و أحكام تلك النعمة ( الولد ) ، و إلا لاتسع المقال جدًّا ، و لاحتاج إلى سلسلة مقالات متتالية ليوفى بعض حقه لا كله .
و الذي أريد أن أخصه بالحديث هنا ، إنما هو : آداب , و أحكام العقيقة .
و سيجيب هذا المقال عن عدد من المسائل المهمة المتعلقة بهذا الموضوع وهي:
ـ تعريف العقيقة .
ـ حكم مشروعية العقيقة .
ـ الحكم التكليفي للعقيقة .
ـ مم تكون العقيقة ؟
ـ ما مقدار ما يذبح فيها عن الغلام ، و الجارية ؟
ـ عن كم يُجزئ الإبل ، أو البقر في العقيقة ؟
ـ متى تذبح العقيقة ؟
ـ هل تجوز العقيقة عن الكبير ؟
ـ هل تجزئ الأضحية عن العقيقة ، أو العكس إن اجتمعت معها ؟
ثم أتطرق لمسائل مكملات لهذا الموضوع ، و هي :
ـ حكم مشروعية الأذان و الإقامة في أذن الصبي بعد الولادة ؟
ـ هل يشرع حلق شعر الجارية و الغلام يوم السابع ؟
ـ هل يشرع التصدق بوزنه ذهبًا ، أو فضة ؟
ـ متى يسمى المولود ؟
ـ ما الممنوع ، و المشروع من الأسماء ؟
تعريف العقيقة :
العقيقة : اشتهر أنها : اسم لما يذبح عن المولود.
و أصلها : شعر الصبي الذي يولد به ، فكانوا يحلقونها عنه يوم أسبوعه ، ويُهْرِيقُونَ عنه دمًا ؛ فكثر ذلك عندهم حتى جعلوا الذَّبِيحَةَ عَقِيقةً.[ المنتخب من كلام العرب ( 1 / 644 ) . ]
قال ابن بطال الركبي (المتوفى: 633هـ) في النظم المستعذب ( 1 / 219 ) : « أصل العقيقة: صوف الجزع، وشعر كل مولود من الناس والبهائم، الذي يولد عليه ، يقال: عقيقة وعقيق، و عِقة أيضًا بالكسر .
وبه سميت الشاة التى تذبح عن المولود يوم أسبوعه عقيقة؛ لأنه يزال عنه الشعر يومئذ، فسميت باسم سببها . »
قال أبو الفرج ابن قدامة في الشرح الكبير " مطبوع مع المغني ( 3 / 585 ): « قال ابن عبد البر: أنكر أحمد هذا التفسير ، وقال: إنما العقيقة الذبح نفسه .
ووجهه أن أصل العق القطع، ومنه عق والديه إذا قطعهما . »
حكم مشروعية العقيقة :
و العقيقة مشروعة عند جمهور أهل العلم سلفًا و خلفًا، لكن اختلفوا في حكمها بعد اتفاقهم على المشروعية .
و هي من الهدي الذي بقي من شريعة إبراهيم ـ عليه السلام ـ في أهل الجاهلية ، فكانوا يفعلونه ، و لكن أدخل عليهم الشيطان ما ليس منها ، فكانوا يلطخون رأس الصبي بدم العقيقة بعد ذبحها ، فجاء الإسلام فأقرهم على هذه الشعيرة ، و نفى عنها ما أحدثوه من أمر الجاهلية .
عن بريدة - رضي الله عنه - قال: «كنا في الجاهلية إذا وُلِدَ لأَحدنا غلام، ذبح شاةَ، ولَطَخ رأسَه بدَمِها، فلما جاء الإسلام، كنا نذبح الشاة يوم السابع، ونحلق رأسه، ونلطخه بزَعفَران» . رواه أبو داود (2843) .
دليل مشروعية العقيقة :
أدلة مشروعية العقيقة كثيرة منها :
ـ حديث سلمان بن عامر الضبي، قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: « مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دمًا، وأميطوا عنه الأذى . » رواه البخاري (5471 ) .
ـ و عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: « كل غلام رهينة بعقيقته ، تذبح عنه يوم السابع، و يحلق رأسه، و يسمى .»
رواه أبو داود (2837) و (2838) ، والترمذي (1552) ، والنسائي ( 7 / 166 ) .
الحكم التكليفي للعقيقة :
اختلف أهل العلم في حكم العقيقة على مذاهب :
الأول : الاستحباب ، و إليه ذهب جمهور أهل العلم ، استدلالاً بالنصوص السابقة ، و لحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما – قال : سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن العقيقة ؟
فقال: « لا يحب الله العقوق . »
كأنه كره الاسم .
فقالوا: يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إنما نسألك عن أحدنا يولد له ؟
قال: « من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه ، فليُنْسَكْ عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة . »
رواه أحمد (6822) ، و أبو داود (2842) , و النسائي (4212) و انظر السلسلة الصحيحة ( 1655) .
و موضع الشاهد فيه ، قوله : " فأحب أن ينسك عنه " . ففيه التخيير ، و لا يكون مع الوجوب .
الثاني : الوجوب ، و إليه ذهب الحسن ، و أبو الزناد ، و رواية عن أحمد ، و داود ، قال ابن حزم في المحلى ( 6 / 234 ) : « العقيقة فرض واجب ، يجبر الإنسان عليها إذا فضل له عن قوته مقدارها.
وهو أن يذبح عن كل مولود يولد له حيًّا ، أو ميتًا بعد أن يكون يقع عليه اسم غلام أو اسم جارية. »
و مما استدلوا به حديث سلمان بن عامر ، و حديث سمرة ـ رضي الله عنهما ـ السابقين ، و وجه الدلالة من الأول الأمر في قوله : " فأهريقوا " و هو للوجوب عند الظاهرية ، و الأصل فيه الوجوب عند الجمهور ، و هو واضح الدلالة على ما استدلوا به على كل حال .
و حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " كل غلام رهينة بعقيقته " و قد تقدم ، و وجه الحجة فيه أنه شبهه بالرهن ، و هو لا ينفك إلا بالأداء .
الثالث : ليست سنة ، و هو للحنفية ، ثم يختلفون على أقوال :
ـ أنها تطوع ، قال الجصاص في شرح مختصر الطحاوي ( 7 / 292 ) :
« والعقيقة تطوع : من شاء فعلها، ومن شاء تركها . »
ـ أنها مباحة ، و هو مروي عن محمد بن الحسن ، قال الكاساني في بدائع الصنائع ( 5 / 69 ) : « العقيقة : كانت في الجاهلية ، ثم فعلها المسلمون في أول الإسلام ، فنسخها ذبح الأضحية ، فمن شاء فعل ، ومن شاء لم يفعل. »
ـ أنها مكروهة ، و هي مروية عن محمد بن الحسن ، قال ابن عابدين في الحاشية : « و بأن محمدًا قال في العقيقة : من شاء فعل ، ومن شاء لم يفعل.
وقال في الجامع: ولا يعق .
والأول يشير إلى الإباحة ، و الثاني إلى الكراهة . »
و قد استبعد ابن عابدين القول الثاني ، و قال : إنه لا يدل على الكراهة ، لكن يدل على أنه سنة غير مؤكدة .
ـ و قول آخر: أنها بدعة ينسب لأبي حنيفة ، قال ابن الملقن في التوضيح ( 26 / 263 ـ 264 ) : « و يقابله قولان :
أحدهما : أنها بدعة ، حكي عن الكوفيين ، و أبي حنيفة .
و أنكره أصحابه ، و يقولون : هو خرق الإجماع ، و إنما قوله : أنها مباحة .
و هو خلاف ما عليه العلماء من الترغيب فيها ، و الحض عليها . »
و قد رد العيني في عمدة القاري هذا القول ، قال ( 21 / 83 ) :
« ونقل صاحب (التوضيح) عن أبي حنيفة والكوفيين: أنها بدعة ، و كذلك قال بعضهم في شرحه ، والذي نقل عنه أنها بدعة أبو حنيفة.
قلت: هذا افتراء فلا يجوز نسبته إلى أبي حنيفة ، وحاشاه أن يقول مثل هذا ، وإنما قال: ليست بسنة .
فمراده إما ليست بسنة ثابتة، وإما ليست بسنة مؤكدة .»
فائدة : قول العيني : " و كذلك قال بعضهم في شرحه " ، يريد به الحافظ ابن حجر في فتح الباري ، كما هو معلوم من صنيعه في عمدة القاري .
و لعل قول هذا القائل أخذه من قول ابن المنذر أو نحوه ، فقد قال : أنكر أصحاب الرأي أن تكون سنة ، وخالفوا في ذلك الآثار الثابتة .
لكن يشكل على هذا ما نقل عن الشافعي ، فقد نقل عنه الحافظ في الفتح الإنكار عمن قال بالبدعية فهو نقل قديم ، قال الحافظ ( 9 / 502) : « قال الشافعي أفرط فيها رجلان قال أحدهما :هي بدعة ، و الآخر قال : واجبة .
وأشار بقائل الوجوب ، إلى الليث بن سعد ... »
قال : « والذي نقل عنه أنها بدعة : أبو حنيفة . »
و أهل المذهب أعرف بقول صاحبهم من غيرهم ، و قول الشافعي ليس فيه تعيين للقائل .
الرابع : أنها سنة مؤكدة في حق الغلام ، لا الجارية ، و هو مروي عن أبي وائل ، و الحسن ، رواه عنه ابن أبي شيبة في المصنف ( 24264 ) ، و احتجوا بأشياء منه ما جاء في حديث سلمان بن عامر- رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: : " مع الغلام عقيقة" ، و ما جاء في حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " كل غلام رهينة بعقيقته" احتجاجًا بمفهوم المخالفة فيهما .
و هم محججون بالأحاديث المصرحة بمشروعية العقيقة عن الجارية ، و منها حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما – السابق ، فيكون ما احتجوا به خرج مخرج الغالب ؛ فلا مفهوم له .
الخامس : أنها فرض ما دام في السبع ، فإذا تجاوزه كانت مستحبة ، و هو قول الليث بن سعد قال ابن عبد البر : وقال الليث بن سعد : يعق عن المولود في أيام سابعه ، في أيها شاء ، فإن لم تتهيأ لهم العقيقة في سابعه فلا بأس أن يعق عنه بعد ذلك ، وليس بواجب أن يعق عنه بعد سبعة أيام .
وكان الليث يذهب إلى أنها واجبة في السبعة الأيام.
و أرجح المذاهب ، المذهب الأول مذهب الجمهور لما تقدم ، و الله أعلم .
مم تكون العقيقة ؟
اتفق أهل العلم القائلون بمشروعية العقيقة أنها تكون من الغنم ـ الضأن ، و المعز ـ ، ثم اختلفوا هل تجزئ من غيرها كالإبل ، و البقر أم لا ؟
فالجمهور على أن كل ما أجزأ في الأضحية مجزئ في العقيقة ، وهم يستدلون على ذلك بأمور :
الأول : النصوص المطلقة التي وردت في العقيقة ، و قد سبق بعضها .
الثاني : القياس على الأضحية .
الثالث : فعل بعض الصحابة ، كأنس و أبي بكرة قال ابن القيم في تحفة المودود ( ص83) : « قال ابن المنذر : واختلفوا في العقيقة بغير الغنم فروينا عن أنس بن مالك أنه كان يعق عن ولده الجزور .
وعن أبي بكرة أنه نحر عن ابنه عبد الرحمن جزورًا فأطعم أهل البصرة.
ثم ساق عن الحسن قال كان أنس بن مالك يعق عن ولده الجزور ثم ذكر من حديث يحيى بن يحيى أنبأنا هشيم عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أن أبا بكرة ولد له ابنه عبد الرحمن وكان أول مولود ولد في البصرة فنحر عنه جزورًا فأطعم أهل البصرة .»
و ذهب الظاهرية ، و هو ظاهر قول أمنا أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنه ، و عن أبيه ، و كبت عدوهما ـ ، و قول حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر إلى أنها لا يجزئ فيها إلا الغنم ، لأنها هي التي ورد مفصلاً به النص عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ قولاً ، و فعلاً .
و يدل عليه أحاديث منها :
ـ حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ وفيه قوله : ـ صلى الله عليه وسلم ـ " فلينسك عن الغلام شاتين مكافئتين ، وعن الجارية شاة . "
فقد ورد في الحديث التنصيص على الشاة ، و لو كانت تجزئ غيرها لنص عليه ، فيكون ما و رد مطلقًا من النصوص مبين بهذا ، لكن يرد عليه أن الشاة في لغة العرب قد تطلق على غير الغنم ، قال في لسان العرب : « الشاة: الواحد من الغنم، يكون للذكر، والأنثى.
و حكى سيبويه عن الخليل: هذا شاة بمنزلة هذا رحمة من ربي.
وقيل: الشاة تكون من : الضأن ، و المعز ، و الظباء ، و البقر ، و النعام ، وحمر الوحش . »
لكن الظاهر الأول في لغة العرب ، و لو ثبت أنه تطلق على غير الغنم لما أفادهم ذلك ، لأن الحديث فيه يذبح عن الغلام شاتان ، و عن الجارية شاة ، فيلزمهم أن هذا يجري في البقر ، و الإبل ، و لا قائل به .
ولذا قال ابن حزم في المحلى ( 6 / 234 ) : « ولا يجزئ في العقيقة إلا ما يقع عليه اسم شاة : إما من الضأن، وإما من الماعز فقط .
ولا يجزئ في ذلك من غير ما ذكرنا لا من الإبل ولا من البقر الإنسية، ولا من غير ذلك. »
لكن لا يلزم من ذكر الشاة أن غيرها لا يجزئ إلا من جهة المفهوم ، و هو مفهوم لقب ، و مفهوم اللقب من أضعف المفاهيم .
قال الشوكاني في نيل الأوطار ( 5 / 163 ) : « ولعل وجه ذلك ذكرها في الأحاديث دون غيرها، ولا يخفى أن مجرد ذكرها لا ينفي إجزاء غيرها. »
فالراجح ـ إن شاء الله تعالى ـ ما ذهب إليه جمهور أهل العلم سلفًا ، و خلفًا من جواز ذبح ما يجزئ من بهيمة الأنعام في العقيقة ، لكن يبقى أن المنصوص عليه فعلاً و قولاً هو الأفضل .
تنبيه : يحتج بعضهم للجمهور بما أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ( 229 ) قال : حدثنا إبراهيم بن أحمد بن مروان الواسطي، حدثنا عبد الملك بن معروف الخياط الواسطي، حدثنا مسعدة بن اليسع، عن حريث بن السائب، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « من ولد له غلام فلِيَعُقَّ عنه من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم . »
و قال : لم يروه عن حريث إلا مسعدة ، تفرد به عبد الملك بن معروف .
وقد قال الهيثمي في مجمع الزوائد ( 4 / 58 ) : فيه مسعدة بن اليسع وهو كذاب .
فمثل هذا الحديث لا تقوم به حجة ، و قد سكت عنه الحافظ في الفتح ، و منه يعرف أن القاعدة التي يطلقها بعض طلاب العلم أن ما سكت عنه الحافظ في الفتح : صالح للحجية ليست مطردة ، فلا يغتر بمثلها .
هذا ما يسره الله في هذا المقال ، فإن يكن صوابًا فالحمد لله وحده ، و إن تكن الأخرى فأسأل الله أن يغفر لي زللي و خطئي ، و استغفر الله منه . ( يتبع )