زكـــــــــــاة الفطر
آداب و أحــــــــــــــــــــــــــــــــــــكام
إن الحمد لله، نحمـده، و نستعينه، و نستغفره، و نــــــعوذ بالله من شرور أنفسنا، و من سيِّئات أعمالنا ، من يهــــده الله؛ فلا مُضِلَّ له، و من يضلل؛ فلا هادي له.
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله.
و بعد :
فإن الله تعالى شرع للمسلمين زكاة الفطر من رمضان طهرة للصائم من اللغو و الرفث ، و رفقًا بالفقراء و طعمة لهم ، و أغناءً لهم عن السؤال في يوم العيد ، و ذلك من محاسن الإسلام ، فإليك أخي القارئ جُلُّ أحكامها و آدابها .
• حكم زكاة الفطر :
زكاة الفطر واجبة ، و قد فرضت في العام الثاني لهجرة النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ
عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : (( فرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زكاة الفطر صاعًا من تمر ، أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. )) رواه البخاري ( 1503 ) ، و مسلم (2325 ) .
قال ابن المنذر في الإشراف ( 3 / 61 / م 1025 ، م 1026 ) :
(( - وأجمع عوام أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض.
وممن حفظنا ذلك عنه من أهل العلم، محمد بن سيرين، وأبو العالية، والضحاك، وعطاء، ومالك، وأهل المدينة، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم.
- وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء إذا أمكنه أداؤها عن نفسه وأولاده، والأطفال الذين لا أموال لهم. ))
و قال ابن هبيرة في اختلاف الأئمة العلماء ( 1 / 210 ، 211) : (( اتفقوا على وجوب زكاة الفطر على الأحرار المسلمين
ثم اختلفوا في صدقة من يجب عليه منهم؟
فقال مالك والشافعي وأحمد: هو من يكون عنده فضل عن قوت يوم العيد وليلته لنفسه وعياله الذين تلزمه مؤنتهم بمقدار زكاة الفطر، فإن كان ذلك عنده لزمته.
وقال أبو حنيفة: لا تجب إلا على من ملك نصابًا أو ما قيمته نصاب فاضلًا عن مسكنه وأثاثه وثيابه وفرسه وسلاحه وعبده.
واتفقوا على من كان مخاطبًا بزكاة الفطر على اختلافهم في صفته أنه تجب عليه زكاة الفطر عن نفسه وعن غيره من أولاده الصغار ومماليكه المسلمين الذين ليسوا للتجارة ))
قال محمد بن عبد الله بن أبي بكر الحثيثي الصردفي الريمي، جمال الدين (المتوفى: 792هـ) في المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة ( 1 / 298 ) :
(( عند الشافعي زكاة الفطر واجبة مفروضة.
وعند الأصم وابن علية وقوم من أهل البصرة ليست بواجبة، وهو قول ابن اللبان من الشافعية.
وعند أبي حنيفة وأهل العراق هي واجبة وليست بفرض، لأن الفرض عنده ثابت بالأخبار المتواترة، والواجب ما ثبت بخبر الواحد. ))
قلت : و هو التحقيق .
• زمن وجوب الزكاة :
قلت : قال ابن عمر : (( فرض رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ زكاة الفطر من رمضان ))
فهذا من إضافة الفرضية إلى سببها و هو الفطر من رمضان .
و هل هذه الإضافة لفعل الفطر من رمضان ، أم لزمن الفطر ؟
قلت : بل هي لزمن الفطر من رمضان ، إذا لو كان للفعل لما وجبت إلا على الصائم فقط ، و دليل ذلك أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ جعلها على الكبير و الصغير ، و الصغير ليس أهلاً للتكليف .
قال الصردفي في المعاني البديعة ( 1 / 298 ): ((مسألة: عند الشافعي تجب زكاة الفطر على كل مسلم صلى وصام أم لا، أطاق الصلاة والصوم أم لا.
وعند الحسن البصري وسعيد بن المسيب لا تجب إلا على من صام وصلى.
وعند علي لا تجب إلا على من أطاقهما. ))
• ما زمن وجوب زكاة الفطر من رمضان الذي أضيفت له الزكاة ؟
الجمهور على أنه بغروب شمس آخر يوم من رمضان و هو قول الشافعي في الجديد ، و قول أحمد و إحدى الروايتين عن مالك .
و ذهب أبو حنيفة ، و الشافعي في القديم ، و الرواية الثانية عن مالك ، و هو قول الظاهرية إلى أنها تجب بطلوع فجر أول يوم من شوال .
و مبنى خلافهم على أمرين :
الأول : هل زمن الفطر انقضاء الشهر ؟
و هو ينقضي بغروب شمس آخر يوم منه .
أم أن الزكاة أضيفت إلى فعل الفطر ؟
و الفطر لا يكون إلا في النهار ، لأنه زمن الصوم .
الآخر : هل الليلة مضافة إلى اليوم الذي يليها ، أم هي مضافة إلى اليوم الذي انتهى .
فمن قال بالأول ، قال : هذه أول ليلة من شوال ، و هو الذي عليه العمل ، و لذا يقوم الناس ليلة أول يوم من رمضان بانقضاء آخر يوم من شعبان ، و يقوم الليالي الوترية التماسًا لليلة القدر بانقضاء أيام الشفع .
و من قال بالآخر قال : هذه الليلة من رمضان .
و ينبني على هذا مسائل منها :
ـ من ولد بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان .
على القول الأول ، لا تجب عليه زكاة الفطر
و على القول الثاني ، تجب .
ـ من اعتمر بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان .
على القول الأول هي عمرة في شوال ، إن بقي بعدها في الحرم حتى حج من نفس العام فهو متمتع بالعمرة إلى الحج .
و على القول الثاني ، هي عمرة في رمضان تعدل حجة ، و ليس متمتعًا .
و القول الأول ، أرجح .
• و يجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين .
لحديث نافع وفيه (( و كان ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم ، أو يومين.)) رواه البخاري (1511)
• فروق بين زكاة المال ، و زكاة الفطر :
ـ زكاة الفطر عن الأنفس ولذا تجب : على الغني و الفقير إذا ملك صاعًا يزيد عن حاجته ذلك اليوم و تجب (( على العبد ، و الحر ، و الذكر ، و الأنثى ، و الصغير ، و الكبير من المسلمين )) رواه البخاري ( 1503 ) ، و مسلم (2325 ) .
ـ زكاة المال تجب في الأموال ، قال تعالى : (( خذ من أموالهم صدقة )) ، و لذا لا تجب إلا في بعض الأموال ، و لا تجب فيها إلا إذا بلغت نصبًا ، و تحقق بها الغنى في بعض الأموال فبقي المال مدخرًا لمدة عام ، و ينقص نصابها الدين فلا تجب .
ـ زكاة الفطر مقصدها إغناء الفقير عن سؤال الناس قوته يوم العيد ، و هي طهرة للصائم عن اللغو و الرفث .
ـ زكاة المال مقصدها إغناء الفقير عن سؤال الناس سائر حاجته لمدة عام ، و هي تطهير للأموال و تزكية للنفوس .
ـ زكاة الفطر حدها النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ من أقوات الناس ، و جعلها صاعًا من ذلك القوت يستوي في ذلك أهل الغنى و اليسار ، و أهل الحاجة و الفقر ، حتى الفقير الذي يأخذ الزكاة ، إن توفر له ما يفيض عن حاجته ذلك اليوم بصاع أخرجها و جوبًا .
قال الصردفي في المعاني البديعة ( 1 / 305 ) : ((عند الشافعي يجوز أن يخرج الفقير فطرته إلى الفقير، ثم يخرجها ذلك الفقير عن فطرته إلى الفقير الذي أعطاه أولا. وعند مالك لا يجوز. ))
ـ زكاة المال لا تجب إلا على غني بلغ ماله نصابًا كما مرَّ .
ـ وقت زكاة الفطر الذي تخرج فيه ساعات قليلة ، إما من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى انقضاء الصلاة ، و إما من طلوع الفجر يوم العيد إلى انقضاء الصلاة .
فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ (( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة.)) رواه البخاري (1509)
و عن ابن عباس قال : (( فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.)) رواه أبو داود (1611) ، و ابن ماجه (1827)
ـ زكاة المال ليس لها وقت محدد بل هي لكل مال بوقت ، فهي إما بالحصاد ، أو بمرور حول على مال بلغ نصابًا ...
• هل تجزئ زكاة الفطر من غير الأقوات ؟
الجمهور على أنها لا تجوز قيمة ، و هو الذي كان عليه سلف الأمة و هو الذي تؤيده النصوص .
و ذهب الحنفية إلى جواز إخراجها قيمة ، و هو قول مرجوح .
فمن أخذ بالأول فقد خرج من العهدة بقين إجماعًا ، و كانت مجزئة عنه ، و من أخذ بالثاني فهو قول لبعض أهل العلم و هو مرجوح عند الجماهير من السلف و الخلف ، و لم يخرج من العهدة بيقين .
قال ابن هبيرة في اختلاف الأئمة العلماء ( 1 / 214 ) : (( و اتفقوا على أنه لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر، إلا أبا حنيفة فإنه قال: يجوز.))
و قال النووي في شرح مسلم(7/59): ((ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة ))
و قال ابن قدامة في المغني ( 3 /66 ) : (( وشرط المجزئ من زكاة الفطر أن يكون حبًّا فلا يجزي القيمة بلا خلافٍ ))
و غاية ما استدل به المجوِّزون لإعطاء القيمة أنهم قالوا ، هي أنفع للفقراء ، فهم يحتاجون غير الطعام و الشراب من ملبس و مركب و دواء وغيرها .
فيقال لهم : زكاة الفطر تعبدية ، و إن كانت معقولة المعنى فقد قال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ــ : ((وطعمة للمساكين.)) رواه أبو داود (1611) ، و ابن ماجه (1827) .
فقد نص على أنها طعمة ، فلم تشرع لإغناء الفقراء عن سائر حاجاتهم ، و قد مرَّ الفرق بينها و بين زكاة المال .
ثم يقال على فرض إعمال هذا القياس تنزلاً ، فقد اتفق أهل العلم على أن الفرع إذا عاد على الأصل بالإبطال فهو باطل فالأصل إخراجها طعمة لحديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : (( كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب. )) رواه البخاري ( 1506 ) ، ومسلم (985) .
فلو أخرجها الناس نقدًا لعاد هذا القياس على هذا الأصل بالإبطال ، و لهجر الناس الأعيان المنصوص عليها ، و هذا باطل .
و هذا المقام لا يتسع لأكثر من هذه الإشارة في هذا الموضع .
• ما مقدار الصاع النبوي ؟
الصاع : أربعة أمداد ، فالمد ربع صاع اتفاقًا.
و المد : ملء كفي الرجل المتوسط ، لكن الخلق ما زال يتناقص .
و المد عند الجمهور رطل و ثلث ، فالصاع خمسة أرطال و ثلث .
و المد عند الحنفية رطلان ، فالصاع ثمانية أرطال .
و قول الجمهور أرجح .
و هو يساوي من الأرز المصري الجيد :2.730كجم .
• من فاته إخراج الزكاة في وقتها ، فما حكمها ؟
من فاته إخراج الزكاة في وقتها تعلقت بذمته إجماعًا ، فيجب عليه إخراجها .
قال ابن هبيرة في اختلاف الأئمة العلماء ( 1 / 211 ) : ((واتفقوا على أنها لا تسقط عمن وجبت عليه بتأخير أدائها وهي دين عليه حتى يؤديها. ))
فائـــــــــدة :
مقدار الصاع النبوي
الصاع النبوي يقدر به الكفارات و الزكوات ، و لذا يلزم طالب العلم أن يعرف مقدار الصاع النبوي ، و قد اختلف في تقديره أهل العلم و من أدق التقديرات في نظري ما نقله د . يوسف الأحمد ، لاستناده في تقديره على [ مُدٍّ ] متوارث بسند متصل إلى زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ .
و المد : مكيال من المكاييل التي تقدر بها الأشياء، و يقدر بملء كفي الإنسان المعتدل .
و من المعلوم أن الخلق ما يزال يتناقص ، لذا فهذا الضابط ، ضابط تقريبي لا تحديدي .
و المُدُّ : ربع صاع ، فالصاع : أربعة أمداد .
و لذا كان أدق تحديد ما جاء عن طريق الأثر الموروث فهذا أبو يوسف يترك قول أبي حنيفة في تحديد الصاع لقول أهل المدينة .
أخرج البيهقي في سننه ( 7510 ) عن الحسين بن الوليد قال :
(( قدم علينا أبو يوسف من الحج فأتيناه .
فقال : إني أريد أن أفتح عليكم بابًا من العلم همني تفحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع .
فقالوا : صاعنا هذا صاع رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ .
قلت لهم : ما حجتكم في ذلك ؟
فقالوا : نأتيك بالحجة غدًا .
فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخًا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه كل رجل منهم يخبر عن أبيه أو أهل بيته أن هذا صاع رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فنظرت فإذا هي سواء قال فعايرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان معه يسير فرأيت أمرًا قويًّا .
فقد تركت قول أبي حنيفة في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة . ))
قال ابن حزم في المحلى ( 5 / 170 ) : (( و الاعتراض على أهل المدينة في صاعهم ومدهم كالمعترض على أهل مكة في موضع الصفا و المروة . ))
فإن صح السند الذي تحمل به هذا المد كان هذا من أصح التقديرات .
و إليك أخي الحبيب ما دونه د. يوسف بن عبدالله الأحمد قال :
(( و الصاع المقصود هو صاع أهل المدينة ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل ضابط ما يكال ، بمكيال أهل المدينة كما في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" المكيال على مكيال أهل المدينة والوزن على وزن أهل مكة "
أخرجه أبو داود والنسائي بسند صحيح .
والصاع من المكيال ، فوجب أن يكون بصاع أهل المدينة في زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وقد وقفت على مدٍ معدول بمد زيد بن ثابت رضي الله عنه عند أحد طلاب العلم الفضلاء ، بسنده إلى زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ فأخذت المد و عدلته بالوزن لأطعمة مختلفة ، و من المعلوم أن الصاع أربعة أمداد فخرجت بالنتائج الآتية :
أولاً : أن الصاع لا يمكن أن يعدل بالوزن ؛ لأن الصاع يختلف وزنه باختلاف ما يوضع فيه ، فصاع القمح يختلف وزنه عن صاع الأرز ، وصاع الأرز يختلف عن صاع التمر ، والتمر كذلك يتفاوت باختلاف أنواعه ، فوزن ( الخضري ) يختلف عن ( السكري ) ، و المكنوز يختلف عن المجفف حتى في النوع الواحد ، وهكذا.
ولذلك فإن أدق طريقة لضبط مقدار الزكاة هو الصاع ، وأن يكون بحوزة الناس.
ثانياً : أن الصاع النبوي يساوي : (3280 مللتر ) ثلاث لترات و مائتان وثمانون مللتر تقريباً .
ثالثاً : عدلت صاع أنواع من الأطعمة بالوزن .
فتبين أن الموازين تتفاوت في دقة النتيجة فاخترت الميزان الدقيق ( الحساس ) و خرجت بالجدول الآتي:
نوع الطعام وزن الصاع منه بالكيلو أرز مزة2.510أرز بشاور2.490أرز مصري2.730أرز أمريكي2.430أرز أحمر2.220قمح2.800حب الجريش2,380حب الهريس2.620دقيق البر1.760شعير2.340تمر ( خلاص ) غير مكنوز1.920تمر ( خلاص ) مكنوز2,672تمر ( سكري ) غير مكنوز1.850تمر ( سكري ) مكنوز 2.500تمر ( خضري ) غير مكنوز1.480تمر ( خضري ) مكنوز2.360تمر ( روثان ) جاف 1,680تمر ( مخلوط ) مكنوز2.800
وأنبه هنا أن تقدير أنواع الأطعمة هنا بالوزن أمر تقريبي ؛ لأن وضع الطعام في الصاع لا ينضبط بالدقة المذكورة .
و الأولى كما أسلفت أن يشيع الصاع النبوي بين الناس ، ويكون مقياس الناس به .)) ا.هـ
تنبيــــــــه :
يمكنك أخي أن تتخذ صاعًا معدولًا بأي صنف من الأصناف الماضية ، فتقدر به ما تشاء .
مثال ذلك : تأتي بعلبة ثم تزن من " الأرز المصري ": 2.730، ثم تضع عند ذلك الحد علامة بقلم أو نحوه ،فيكون لك ذلك صاعًا أقرب ما يكون من صاع أهل المدينة فتقدر به باقي الأصناف .
المسائل المبنية على اجتماع سبب الوجوب و شرطه
من الأسئلة المهمة التي سئلت فيها في أكثر من محاضرة من إخواني و أبنائي طلاب العلم قاعدة اجتماع سبب الوجوب و شرطه في العبادات و قد قمت بشرح ذلك على قدر الطاقة أكثر من مرة و أحلت إخواني ، إلى القاعدة الرابعة من قواعد ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ و على ما يبدو أن الأمر لم يتضح لبعض إخواني و أبنائي بعد و لذا فها أنا أسوق لهم تقريرًا من كتابي : مباحث الحكم الشرعي ، نظرية ، و تأصيلاً ، و تطبيقًا ، فلعل الإجابة تكون بسوقه أكثر وضوحًا ، و قد جاء التقرير على صورة سؤال و جواب و هاك هو:
س هل ينبني على هذا التفريق بين سبب الوجوب و شرطه فروع عملية ؟
وضح ما تقول
نعم ينبني على هذا الفرق الدقيق بينهما كثير من الفروع إذا اجتمع في الحكم الوصفان السبب و الشرط ، ذلك أنها لا يجوز تقديم العبادة قبل سبب وجوبها ، و يجوز تقديمها عن شرط الوجوب بعد تحقق السبب ، و على هذا تكون الصور المتصورة لهذه القاعدة ثلاث صور :
الأولى : فعل العبادة بعد انعقاد سبب وجوبها ، و تحقق شرط وجوبها ، فهذا جائز إجماعًا.
الثانية : فعل العبادة قبل انعقاد سبب وجوبها ، ، و تحقق شرط وجوبها و هذا غير جائز إجماعًا.
الثالثة : فعل العبادة بعد انعقاد سبب وجوبها ، و قبل تحقق شرط الوجوب و هذا هو الفرق المنبه عليه بين سبب الوجوب و شرطه هنا .
فمن أمثلة ذلك :
ـ دخول وقت الصلاة سبب في وجوب الصلاة ، و البلوغ شرط في الوجوب ، فلا يجوز
للمصلي أن يؤدي الصلاة قبل تحقق سبب الوجوب ( دخول الوقت ) ، و يجوز لغير البالغ المميز أ ن يصلي قبل انعقاد شرط الوجوب عليه ( البلوغ ) )
ـ بلوغ المال نصابًا سبب في وجوب الزكاة ، و حولان الحول شرط في وجوبها ، و لا يجوز للمزكي أن يخرج الزكاة قبل تحقق سبب الوجوب ( بلوغ المال نصابًا ) ، و يجوز له إخراج الزكاة قبل تحقق شرط الوجوب ( حولان الحول ) ) .
ـ انعقاد اليمين سبب في وجوب الكفارة ، و الحنث فيه شرط في وجوبها ، و لا يجوز للمكلف أن يكفر عن يمينه قبل انعقاد سبب الكفارة ( اليمين ) ، و يجوز له أن يكفر عن يمينه بعد انعقاد سببه ، و قبل تحقق شرط وجوبه ( الحنث ) ) .
ـ ظهار الرجل من امرأته سبب في وجوب الكفارة ، و الجماع شرط في وجوبها ، فلا يجوز للزوج أن يكفر قبل انعقاد سبب الوجوب ( الظهار ) ، و يجوز له أن يكفر قبل انعقاد شرط الوجوب (الجماع ) إذا انعقد سبب الوجوب .
ـ الجنابة سبب في وجوب الطهارة بالغسل ، و شرط الوجوب دخول وقت الصلاة مثلاً ، فلا يجوز للمكلف تقديم الغسل قبل حدوث سببه ( الجنابة ) ، و يجوز له تقديمه على شرط وجوبه
فهذه خمسة من الفروع مبناها على الفرق السابق يكاد يتفق عليها أهل العلم ، و تشهد لها النصوص .
و ينبني على هذه القاعدة اختلاف العلماء في عدد من الفروع الأخرى التي يشتد فيها الخلاف بينهم منها :
ـ فقد الماء ، أو عدم القدرة على استعماله سبب في مشروعية التيمم ، و شرط وجوبه حضور الصلاة ، فلا يجوز اتفاقًا تقديم التيمم على سببه ـ فقد الماء ، أو عدم القدرة على استعماله ـ و اختلف أهل العلم في جوازه قبل تحقق شرط وجوبه
ـ دخول وقت الصلاة ـ فالجمهور على عدم الجواز ، و شيخ الإسلام ابن تيمية على جوازه ، و سر المسألة هذه القاعدة المفيدة .
ـ تجويز الشافعية و الحنفية إخراج زكاة الفطر من أول شهر رمضان ، لأن سبب وجوبها الصيام ، و شرط الوجوب إما غروب شمس آخر يوم من رمضان ، و إما طلوع فجر أول يوم من شوال ، و عليه فيجوز تقديم إخراجها بعد انعقاد سبب الوجوب و قبل تحقق شرطه .
ـ تجويز الشافعية في أحد القولين ، و كثير من أهل العلم ذبح هدي التمتع بعد انعقاد سبب وجوبه ـ الانتهاء من العمرة ـ وقبل يوم النحر لأن الدخول في النسك سبب الوجوب ، و شرط وجوبه أن يكون في يوم النحر بعد الوقوف بعرفة ، و عليه فيجوز ذبح الهدي بعد انعقاد سبب الوجوب ، و قبل تحقق شرط الوجوب .
قال أبو إسحاق الشيرازي : ((وفي وقت جوازه قولان: أحدهما لا يجوز قبل أن يحرم بالحج لأن الذبح قربة تتعلق بالبدن فلا يجوز قبل وجوبها كالصوم والصلاة والثاني يجوز بعد الفراغ من العمرة ، لأنه حق مال يجب بشيئين فجاز تقديمه على أحدهما كالزكاة بعد ملك النصاب. ))
ـ تجويز الحنابلة في مشهور المذهب الوقوف بعرفة من فجر يوم عرفة خلافًا للجمهور ، لأن دخول اليوم سبب للوجوب ، و الوقت شرطه و وقته يبدأ من الزوال فيجوز تقديمه على شرطه ، لتحقق سببه ، و لا يجوز تقديمه على سبب وجوبه ، و يؤيد هذا التخريج حديث عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ، إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ ».
قال ابن قدامة : ((فَصْلٌ: وَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ...
ثم قال : وَأَمَّا أَوَّلُهُ فَمِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ عَاقِلٌ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: أَوَّلُ وَقْتِهِ زَوَالُ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ.
وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ. وَحُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ.
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ذَلِكَ إجْمَاعًا.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ مَا قُلْنَاهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: (لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَهَارًا وَدَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) .
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ : «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ »
وَ لِأَنَّهُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَكَانَ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ، كَبَعْدِ الزَّوَالِ ، وَتَرْكُ الْوُقُوفِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ، كَبَعْدِ الْعِشَاءِ.
وَإِنَّمَا وَقَفُوا فِي وَقْتِ الْفَضِيلَةِ، وَلَمْ يَسْتَوْعِبُوا جَمِيعَ وَقْتِ الْوُقُوفِ. ))
ـ تجويز الشافعية و الحنابلة رمي الجمار بعد منتصف ليلة يوم النحر لمن وقف بعرفة قبلها ، ثم دفع من مزدلفة بعد منتصف الليل فهذا سبب الرمي ، و وقت وجوبه من بعد صلاة الفجر لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، وَقَالَ: «لَا تَرْمُوا الجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ . »
قال الترمذي بعد روايته للحديث : (( حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا أَنْ يَتَقَدَّمَ الضَّعَفَةُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ يَصِيرُونَ إِلَى مِنًى.
وقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لاَ يَرْمُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ
وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي أَنْ يَرْمُوا بِلَيْلٍ
وَالعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُمْ لاَ يَرْمُونَ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. ))
و ترخيص الشافعي ثابت عنه كما نقله البيهقي قال : ((قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ: وَمِنْ أَوْقَاتِهَا أَنْ تُرْمَى بَعْدَ الْفَجْرِ، وَجَائِزٌ فِيهَا أَنْ تُرْمَى قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ . ))
فلا يجوز الرمي قبل تحقق سبب الوجوب ، و يجوز تقديمه قبل تحقق شرطه إذا تحقق سببه فهذا مناط المسألة و الله أعلم .
و قد أخبرت أسماء ـ رضي الله عنها ـ عن الترخيص في الرمي من الليل فعن عَطَاءٌ، أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ، عَنْ أَسْمَاءَ، أَنَّهَا رَمَتِ الْجَمْرَةَ، قُلْتُ: إِنَّا رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ، قَالَتْ:
«إِنَّا كُنَّا نَصْنَعُ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ »
و ثمة مسائل أخرى كثيرة تنبي علي هذه القاعدة ، و إنما أردت مجرد التمثيل .
قال ابن رجب : (( الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ :
الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بَدَنِيَّةً أَوْ مَالِيَّةً أَوْ مُرَكَّبَةً مِنْهُمَا :
ـ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى سَبَبِ وُجُوبِهَا
ـ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ الْوُجُوبِ أَوْ قَبْلَ شَرْطِ الْوُجُوبِ
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ:
ـ (مِنْهَا) الطَّهَارَةُ سَبَبُ وُجُوبِهَا الْحَدَثُ وَشَرْطُ الْوُجُوبِ فِعْلُ الْعِبَادَةِ الْمُشْتَرَطِ لَهَا الطَّهَارَةُ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْعِبَادَةِ وَلَوْ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ بَعْدَ الْحَدَثِ.
ـ (وَمِنْهَا) الصَّلَاةُ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ، وَالْعِشَاءِ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الزَّوَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّلَاتَيْنِ عِنْدَ الْعُذْرِ دُونَ عَدَمِهِ، وَلِهَذَا لَوْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ عُذْرٌ لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَوْ زَالَ الْعُذْرُ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ لَزِمَهُ الصَّلَاتَانِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَعُلِمَ أَنَّ الْوَقْتَيْنِ قَدْ صَارَا فِي حَالِ الْعُذْرِ كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ، لَكِنَّهُ وَقْتُ جَوَازٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى إحْدَاهُمَا، وَوُجُوبٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُخْرَى.
ـ (وَمِنْهَا) صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ سَبَبهَا الْيَوْمُ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ فَيَجُوزُ فِعْلُهَا بَعْدَ زَوَالِ وَقْتِ النَّهْيِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ الزَّوَالُ هُوَ وَقْتَ الْوُجُوبِ.
ـ (وَمِنْهَا) زَكَاةُ الْمَالِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ.
ـ (وَمِنْهَا) كَفَّارَاتُ الْإِحْرَامِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِلْعُذْرِ فَإِنَّ الْعُذْرَ سَبَبُهَا فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بَعْدَ الْعُذْرِ وَقَبْلَ فِعْلِ الْمَحْظُورِ.
ـ (وَمِنْهَا) صِيَامُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَإِنَّ سَبَبَهُ الْعُمْرَةُ السَّابِقَةُ لِلْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ، فَبِالشُّرُوعِ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَدْ وُجِدَ السَّبَبُ فَيَجُوزُ الصِّيَامُ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ وُجُوبُهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْهَدْيُ فَقَدْ الْتَزَمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَلَنَا رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِمَنْ دَخَلَ قَبْلَ الْعَشْرِ لِمَشَقَّةِ حِفْظِهِ عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّ الشَّرْعَ خَصَّهَا بِالذَّبْحِ.
ـ (وَمِنْهَا) كَفَّارَةُ الْيَمِينِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحِنْثِ بَعْدَ عَقْدِ الْيَمِينِ مَالِيَّةً كَانَتْ أَوْ بَدَنِيَّةً.
ـ (وَمِنْهَا) إخْرَاجُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوْ الصَّيْدِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الزُّهُوقِ.
ـ (وَمِنْهَا) النَّذْرُ الْمُطْلَقُ نَحْوُ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ فِي الْحَالِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ.
• وَيَلْتَحِقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى شَرْطِ وُجُوبِهِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ:
ـ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدِّيَةِ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْمَوْتِ
ـ وَأَمَّا مِنْ الْقِصَاصِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ
ـ وَكَتَوْفِيَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ لِلضَّامِنِ الدَّيْنَ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ وَفِيهِ وَجْهَانِ
ـ وَكَعَفْوِ الشَّفِيعِ عَنْ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ الْمِلْكُ وَشَرْطَهَا الْبَيْعُ،
ـ وَأَمَّا إسْقَاطُ الْوَرَثَةِ حَقَّهُمْ مِنْ وَصِيَّةِ الْمَوْرُوثِ فِي مَرَضِهِ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَشَبَّهَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْعَفْوِ عَنْ الشُّفْعَةِ، فَخَرَّجَهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ
ـ وَكَإِيتَاءِ الْمُكَاتَبِ رُبْعَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِهَا وَقَبْلَ كَمَالِ الْأَدَاءِ وَهُوَ جَائِزٌ . ))
ملخص في
آداب و أحكام الأضحية
الأضحية لغة ، و اصطلاحًا .
الأضحية لغة فيها أربع لغات :
أُضحية بضم الهمزة .
إضحية بكسر الهمزة .
و أضحاة بفتح الهمزة .
و ضحيَّة .
قال النووي في شرح مسلم ( 6 / 484 ) : (( قال الجوهري : قال الأصمعي : فيها أربع لغات :
أضحية ، وإضحية بضم الهمزة وكسرها ، وجمعها بتشديد الياء وتخفيفها
واللغة الثالثة : ضحية ، وجمعها : ضحايا .
والرابعة : أضحاة بفتح الهمزة ، والجمع : أضحى ، كأرطاة وأرطى ، وبها سمي يوم الأضحى .
قال القاضي : وقيل : سميت بذلك لأنها تفعل في الضحى ، وهو ارتفاع النهار . وفي الأضحى لغتان : التذكير لغة قيس ، والتأنيث لغة تميم . ))
و عد المفضل الضبي في كتابه ما تلحن فيه العامة الرابع ( ضحية ) لحنًا قال :
(( و هي الأُضْحِيّة و الإضحيّة.
و العامّة تقول: ضَحِيَّة. ))
و الأضحية في الشرع :
ما يذبح من بهيمة الأنعام في يوم الأضحى و أيام التشريق تقربًا إلى الله .
قال الجرجاني في التعريفات ( ص 45 ) : (( الأضحية اسم لما يذبح في أيام النحر بنية القربة إلى الله تعالى . ))
حكم الأضحية :
اختلف أهل العلم في حكم الأضحية و جمهور أهل العلم على استحبابها ، و ذهب الحنفية إلى القول بوجوبها .
قال النووي في شرح مسلم ( 6 / 484 ) : (( و اختلف العلماء في وجوب الأضحية على الموسر .
ـ فقال جمهورهم : هي سنة في حقه إن تركها بلا عذر لم يأثم ، ولم يلزمه القضاء ، وممن قال بهذا أبو بكر وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم
ـ و قال ربيعة ،و الأوزاعي ، و أبو حنيفة ، و الليث : هي واجبة على الموسر ، وبه قال بعض المالكية
ـ و قال النخعي : واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى
ـ و قال محمد بن الحسن : واجبة على المقيم بالأمصار
ـ و المشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصابًا . والله أعلم .))
قلت :
ـ و دليل الجمهور حديث أم سلمة أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال « إذا دخلت العشر و أراد أحدكم أن يضحى فلا يمس من شعره و بشره شيئًا ».
قيل لسفيان : فإن بعضهم لا يرفعه ؟
قال : لكنى أرفعه. رواه مسلم (5232)
و موضع الشاهد فيه تعليق الحكم بإرادة التضحية .
قال ابن المنذر في الإقناع ( 1 / 376 ) : ((عن أم سلمة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «من رأى منكم هلال ذي الحجة و أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره و لا من أظفاره شيئًا»
فالضحية لا تجب فرضًا استدلالاً بهذا الحديث، إذ لو كَانَ فرضًا لم يجعل ذَلِكَ إِلَى إرادة المضحي . ))
و استدل أيضًا بتضحية النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ عن أمته بسقوطها عنهم و هو ما رواه مسلم ( 5203 ) من حديث عائشة - رضي الله عنها ـ : (( أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بكبش أقرن يطأ فى سواد ويبرك فى سواد و ينظر فى سواد فأتى به ليضحى به .
فقال لها : « يا عائشة : هلمى المدية ».
ثم قال : « اشحذيها بحجر ».
ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه .
ثم قال : « باسم الله اللهم تقبل من محمد و آل محمد و من أمة محمد ».
ثم ضحى به. ))
و في هذا الاستدلال نظر .
ـ و دليل من قال بالوجوب حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : " من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ".
رواه أحمد (8256 ) ، و ابن ماجه (3123) ، الحاكم ( 4/231- 232 ) .
قال الألباني : حسن .
و قد أعله جمع من الأئمة بالوقف منهم الترمذي و صحح وقفه البيهقي في السنن والطحاوي في مختصر اختلاف العلماء، وابن عبد البر في التمهيد، وابن حجر في البلوغ ، و ابن عبد الهادي في التنقيح .
قال الحافظ في الفتح ( 10 / 3 ) : ((و أقرب ما يتمسك به للوجوب حديث أبي هريرة رفعه : ( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا )
أخرجه ابن ماجه و أحمد
و رجاله ثقات لكن اختلف في رفعه و وقفه و الموقوف أشبه بالصواب ، قاله الطحاوي و غيره .
و مع ذلك فليس صريحًا في الإيجاب . ))
و قوله : ليس صريحًا ، لأنه شبيه قول النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ : « مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا - أَوْ قَالَ - فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ، وَلْيَقْعُدْ فِى بَيْتِهِ » .
رواه البخاري ( 855 ) و مسلم ( 1281 )
و قد قال النووي في شرح مسلم ( 2 / 324 ) : (( فهذه البقول حلال بإجماع من يعتد به ، و حكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها ؛ لأنها تمنع عن حضور الجماعة . ))
فليس النهي عن قربان المصلى لمن لم يضح صريحًا في التحريم ، كما أن النهي عن قربان المسجد لمن أكل الثوم أو البصل ،لم يكن صريحًا في التحريم .
و قد استظهر شيخ الإسلام الوجوب كما في مجموع الفتاوى ( 23 / 126 ) قال :
(( وأما الأضحية فالأظهر وجوبها أيضًا
ـ فإنها من أعظم شعائر الإسلام
ـ و هي النسك العام في جميع الأمصار
ـ و النسك مقرون بالصلاة في قوله : { إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } وقد قال تعالى : { فصل لربك وانحر } فأمر بالنحر كما أمر بالصلاة .
و قد قال تعالى : { ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين }
و قال : { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون }
{ لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين }
ـ و هي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته
ـ و بها يذكر قصة الذبيح
ـ فكيف يجوز أن المسلمين كلهم يتركون هذا لا يفعله أحد منهم ؟
ـ و ترك المسلمين كلهم هذا أعظم من ترك الحج في بعض السنين . ))
و هذا كلام متين لو استدل به على الوجوب الكفائي ، لا العيني .
و ما ذهب إليه الجمهور أرجح لأمرين :
الأول : لأنه لم يعرف عن أحد من الصحابة القول بالوجوب .
قال الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ( 3 / 221 ) :
((و روى الشعبي عن أبي سريحة قال : رأيت أبا بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ و ما يضحيان كراهة أن يقتدى بهما
و قال عكرمة : كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين اشترى له لحمًا ، و يقول من لقيت فقل هذه أضحية ابن عباس
و قال ابن عمر : ليست بحتم ، و لكن سنة ومعروف
قال أبو مسعود الأنصاري : إني لأدع الأضحى و أنا موسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم عليَّ . ))
و قال أبو محمد ابن حزم في المحلى ( 6 / 10 ) : (( لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة.
وصح أن الأضحية ليست واجبة عن سعيد بن المسيب والشعبي و أنه قال: لأن أتصدق بثلاثة دراهم أحب إلي من أن أضحي.
وعن سعيد بن جبير، وعن عطاء، وعن الحسن، وعن طاوس، وعن أبي الشعثاء جابر بن زيد - وروي أيضا عن علقمة، ومحمد بن علي بن الحسين.
وهو قول سفيان، وعبيد الله بن الحسن، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي سليمان - وهذا مما خالف فيه الحنفيون جمهور العلماء.))
الآخر : أن الحديث السابق ليس نصًّا في الوجوب كما مرَّ ، مع الخلاف في رفعه ، و الأصل خلو الذمة من عهدة التكليف .
مم تكون الأضحية ؟
ـ الأضحية لا تجزئ إلا من بهيمة الأنعام : الغنم ( المعز ، و الضأن )، و الإبل ، و البقر ( و الجواميس ) .
ـ و لا يجزئ منها إلا المسنة من بهيمة الأنعام أو جذعة من الضأن .
لحديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - :
« لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ».
رواه مسلم (1963)، وأبو داود (2797)، والنسائي (7/ 218)، وابن ماجه (3141).
و المسنة من الغنم ما بلغت سنة .
و المسنة من الإبل ما بلغت خمس سنوات .
و المسنة من البقر ما بلغت سنتين .
و الجذعة من الضأن ما بلغت ستة أشهر إلى عشرة أشهر .
قال في المصباح المنير : (( قال ابن الأعرابي : الإجذاع وقت وليس بسن .
فالعناق : تجذع لسنة وربما أجذعت قبل تمامها للخصب فتسمن فيسرع إجذاعها فهي جذعة .
و من الضأن : إذا كان من شابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة ، و إذا كان من هرمين أجذع من ثمانية إلى عشرة . ))
و قال ابن قدامة في المغني مسألة ( 7860 ) : (( قال ـ يعني الخرقي ـ : ( و الجذع من الضأن ما له ستة أشهر ، و دخل في السابع )
قال أبو القاسم : وسمعت أبي يقول : سألت بعض أهل البادية : كيف تعرفون الضأن إذا أجذع ؟
قال : لا تزال الصوفة قائمة على ظهره مادام حملًا ، فإذا نامت الصوفة على ظهره ، علم أنه قد أجذع . ))
و هل يجزئ أقل من المسنة ؟
و هل يقوم التسمين مقام السن ؟
و الإجابة : لا يجزئ إلا الثني من الإبل أو البقر أو المعز فإن لم يجد ذبح جذعة من الضأن ، للحديث السابق ، و وجه الدلالة منه الحصر و القصر في قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : لا تذبحوا إلا مسنة ، فإنه يدل على عدم إجزاء غيرها .
و لحديث الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِى يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّىَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا ، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِى شَىْءٍ » .
فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَقَدْ ذَبَحَ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِى جَذَعَةً .
فَقَالَ « اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِىَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ » .
قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ تَمَّ نُسُكُهُ ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ » .
و هو نص في خصوصية هذا لأبي بردة ـ رضي الله عنه ـ
و في بعض روايته رد على من قال : إن التسمين يقوم مقام السن ففي الصحيح أنه قال : (( فقام أبو بردة بن نيار فقال : يا رسول الله : فعلت .
فقال : « هو شىء عجلته » .
قال : فإن عندى جذعة هى خير من مسنتين ، آذبحها ؟
قال : « نعم ، ثم لا تجزى عن أحد بعدك » .
قال عامر هى خير نسيكته . ))
عمن تجزئ الأضحية ؟
و تجزئ شاة واحدة أو سبع بدنة أو سبع بقرة عن الرجل وأهل بيته، لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ المتقدم و فيه أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذبح شاة واحدة ثم قال: «بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحَّى به» .
و لحديث عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟
فقال: «كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويُطعمون، حتى تباهى الناس فصارت كما ترى» صحيح: رواه الترمذي (1505)، وابن ماجه (3147).
ما لا يجزئ من الأضاحي مما بلغ السن ؟
لا يجزئ من الأضاحي :
ـ العوراء واضحة العور ، و لا العمياء من باب الأولى .
ـ العرجاء واضحة العرج ، و الكسيحة من باب أولى .
ـ المريضة واضحة المرض .
ـ الهزيلة شديدة الهزال .
لحديث ـ عن البراء , قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
(( لا يجوز من الضحايا أربع : العوراء البين عورها , و العرجاء البين عرجها , و المريضة البين مرضها , و العجفاء التي لا تنقي )).
رواه أبو داود (2802) ، و النسائى (2/203) ، و الترمذى (1/283) ، و ابن ماجه (3144) .
قال ابن حزم في مراتب الإجماع ( 153 ) : ((واتفقوا أن :
ـ العوراء البين عورها
ـ و العمياء البينة العمى
ـ و العرجاء البينة العرج التي لا تدرك السرح
ـ والمريضة البينة المرض
ـ والعجفاء التي لا مخ لها
أنها لا تجزئ في الاضاحي . ))
و قال ابن المنذر في الإقناع ( 1 / 377 ) : (( و في هذا دليل أن كل نقص غير الأربع التي خصهن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جائز، و التام أفضل من الناقص ))
فما دون هذه العيوب كمقطوعة الأذن ، أو كسيرة القرن ، أو التي لا قرن لها ، أو مقطوعة الألية ، أو الخصي ...
فعيب غير مؤثر على الراجح ، و تجزئ معه الأضحية ، و إنما هو نقص في الكمال .
و الاستدلال بالحديث السابق قوي ما لم يعارضه معارض ، فإن عارضه شيء ففي الاستدلال به تأمل ، لأنه استدلال بمفهوم العدد .
متى تذبح الأضحية ؟
لا تجزئ الأضحية إن ذبحت قبل صلاة عيد الأضحى ، و يمتد الذبح إلى غروب شمس آخر أيام التشريق .
لحديث البراء - رضى الله عنه - قال سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال : « إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلى ، ثم نرجع فننحر ، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا ، ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله ، ليس من النسك فى شىء »
و لحديث أنس ـ رضي الله عنه ـ عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال :
« من ذبح قبل الصلاة فليعد » . و هما في الصحيح .
قال ابن المنذر في الإقناع ( 1 / 376 ) : (( و وقت الأضحى يوم النحر، و ثلاثة أيام بعده أيام التشريق . ))
من آداب المضحي :
ـ ألا يأخذ من أظفاره و أشعاره شيئًا إذا دخل ذو الحجة ، حتى يذبح نسيكته .
لحديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ، أن النبى - صلى الله عليه و سلم – قال : « إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحى فلا يمس من شعره وبشره شيئًا ».
رواه مسلم (5232)
قال ابن المنذر في الإقناع ( 1 / 377 ) : (( و إذا دخل العشر لم يأخذ من شعره وأظفاره شيئا إذا أراد أن يضحي. ))
و هذا النهي للتحريم عند ابن المسيب ، و ربيعة ، و أحمد ، و إسحاق ، و داود ، و بعض أصحاب الشافعي .
و هو للتنزيه عند الجمهور لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ : « كنتُ أفتل قلائد بُدن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم يقلده و يبعث به، و لا يحرم عليه شيء أحلَّه الله حتى ينحر هديه . » رواه البخاري (1698)، ومسلم (1321).
ـ ألا يجعل جلد الأضحية أو شيئًا منها أجرة للجزار ، و لا يبيع الجلد ، بل يهديه أو يستخدمه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : « من باع جلد أضحيته فلا أضحية له »
رواه الحاكم (3468 ) ، و قال : حديث صحيح مثل الأول ولم يخرجاه ، و البيهقي في الكبرى (19015) ، و قد حسنه الألباني .
و لحديث عليٍّ ـ رضي الله عنه ـ «أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمره أن يقوم على بُدنْه، وأن يقسم بُدنه كلها لحومها وجلودها وجلالها، ولا يعطى في جزارتها شيئًا» رواه البخاري (1717)، ومسلم (1317).
ـ أن يباشر الذبح بنفسه إن كان يستطيع ، و يقول : بسم الله ، اللهم تقبل من فلان و آل فلان .
لحديث عائشة ففيه أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ : (( أخذ الكبش فأضجعه ، ثم ذبحه ، ثم قال : « باسم الله ، اللهم تقبل من محمد ، و آل محمد ، و من أمة محمد ». ثم ضحى به. ( سبق تخريجه )
ـ يستحب له أن يأكل من أضحيته ، و يدخر إذا شاء ، و يهدي الأهل و الجيران ، و يتصدق على الفقراء .
لقول الله تعالى: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } الحج: 28.
و لحديث أنس بن مالك قال قال النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر : « من كان ذبح قبل الصلاة فليعد » .
فقام رجل ، فقال : يا رسول الله : إن هذا يوم يشتهى فيه اللحم - وذكر جيرانه )
رواه البخاري (5549 ) ، و مسلم (5191 ) .
و لحديث عائشة قالت : دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
فقال : ادخروا ثلاثًا ثم تصدقوا بما بقي
فلما كان بعد ذلك
قالوا : يا رسول الله : إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم , ويجملون فيها الودك
فقال : و ما ذاك ؟
قالوا : نهيت أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث
فقال : إنما نهيتكم من أجل الدافة .
فكلوا وادخروا وتصدقوا .
رواه مسلم ( 3643 ) ، و أبو داود (2812) ، و النسائى (2/209).
تقبل الله منكم ضحياكم .
النـــــــــــذر آداب و أحكام
إنَّ الحمد لله، نحمـده، ونستعينه، ونستغفره، ونــــــعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهــــده الله؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله.
أما بعد :
فالنذر قربة من القرب المشروعة قال الله ـ تعالى ـ : { وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار } البقرة : 270
وقال : { إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورًا . عينًا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرًا . يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرًا } الدهر : 5-7
فجعله الله تعالى من أخص صفات المؤمنين التي يمدحون بها .
و النذر قربة من القرب وعبادة قديمة قال الله ـ عزَّ و جلَّ ـ : { إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررًا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم } آل عمران : 35 .
فنذرت أمرأت عمران ما في بطنها لله ، ورجت منه القبول .
وأمر الله ـ تعالى ـ مريم بنذر الصمت ـ وهذا يدل على مشروعيته في شريعتهم ـ فإذا رأت من البشر أحدًا فسألها عن ولدها أخبرتها بذلك .
قال الله ـ تعالى ـ : { فإما ترين من البشر أحدًا فقولي إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيًّا } مريم :26
· تعريف النذر .
النذر : إيجاب المكلف على نفسه ، ما لم يجب عليه بأصل الشرع .
و المكلف : البالغ ، العاقل ، الفاهم للخطاب ، المختار ، العالم بحكمه .
فغير البالغ ، و المجنون ، و الغافل عن الخطاب : كالنائم و الناسي و الساهي ، و المكره ، و الجاهل بحكمه ، لا يجب عليهم الوفاء به ، لو أوجبوه على أنفسهم .
و أما الكافر لو نذر فإنه يجب عليه الوفاء به ، و هو في ذمته لو أسلم لحديث ابن عمر - رضى الله عنهما - أن عمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كنت نذرت فى الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ؟
قال : « فأوف بنذرك » . رواه البخاري (2032 ، 2042 ، 6697) ، و مسلم (4382 ).
· الحكم العام للنذر :
نذر الطاعة المطلق مستحب على الصحيح ، و لذا امتدح الله الوفاء به قال تعالى : { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } الحج : 29
و إنما يكره النذر المعلق ، الذي يعلقه الناذر على تحقق شرط ، فصار كعقد المعاوضة و هذا قادح في نية القربة الخالصة .
عن ابن عمر ـ رضي الله عنهماـ قال: نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن النذر، وقال:
«إنه لا يرد شيئًا، وإنما يستخرج به من البخيل» رواه البخاري (6608 ) ، و مسلم (1639) .
· أحكام النذر و صوره :
للنذر أحكام يمكن إجمالها بتصور أقسامه ، و يمكن تقسيم النذر إلى ثلاثة أقسام إجمالاً باعتبارات مختلفة .
· القسم الأول : باعتبار حال الناذر :
و ينقسم إلى قسمين :
1 ـ نذر الرضى .
و حكمه يعرف ( بمتعلقه من التقسيم القادم ) .
2 ـ نذر اللجاج ( الغضب ) ، و سمي بذلك لأن اللجاج و الغضب يحملان عليه غالبًا.
و هو كل نذر ينذره المكلف يريد به منع النفس من فعل شيء أو تركه أو تأكيد شيء لا يريد بذلك وجه القربة على التحقيق ، كأن يقول : إن فعلت كذا ، أو تركت كذا فعليَّ لله صوم كذا ، أو صلاة كذا .
وحكمه : أنه لا يجب الوفاء به و كفارته كفارة يمين على الراجح ، عن عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: « لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين . » رواه النسائي (3846), و أحمد (4/433) ، و أبو داود الطيالسي (878) ، و هو حديث ضعيف فيه مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ و قد رواه عن أبيه عن عمران .
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النسائي : (( مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ . ))
و قال : " وقيل : إن الزبير لم يسمع هذا الحديث من عمران بن حصين "
قال ابن قدامة في المغني (13/461) : (( إذا أخرج النذر مخرج اليمين , بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئًا , أو يحث به على شيء
مثل أن يقول : إن كلمت زيدًا , فلله علي الحج , أو صدقة مالي , أو صوم سنة . فهذا يمين , حكمه أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه , فلا يلزمه شيء , وبين أن يحنث , فيتخير بين فعل المنذور , وبين كفارة يمين , ويسمى نذر اللجاج والغضب , ولا يتعين عليه الوفاء به ))
و قال الصردفي في المعاني البديعة ( 1 / 414 ) : ((مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر وابن عَبَّاسٍ وأبي هريرة وعائشة وحفصة وأم سلمة َوَأَحْمَد وإِسْحَاق إذا نذر قربة في لجاج أو غضب، فإن قال: إن كلمت فلانًا فلله عليَّ صلاة، أو صدقة مالي، أو مالي في سبيل الله، أو صدقة فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين الوفاء بما نذر.
وعند عَطَاء يلزمه كفارة يمين، وله إسقاطها بأن يفي بما نذر إن كان أكثر من الكفارة، وإن كان أقل لم يكن له ذلك، وهو قول الشَّافِعِيّ أيضًا.
وعند أبي حَنِيفَةَ يلزمه الوفاء بما نذر بكل حال، وهو قول للشافعي أيضًا.))
· القسم الثاني : باعتبار متعلق النذر :
و ينقسم إلى ثلاثة أقسام إجمالاً :
1 ـ نذر الطاعة [ سواء كانت واجبة عند من قال بجوازه ، مثل أن يقول : لله عليَّ أن أصلي ، أو أصلي في أوَّل الوقت ، أو مستحبة كصوم أو صلاة أو صدقة أو نحوها ... ]
حكمه : يجب الوفاء به إذا كان تحت الطاقة و السعة و القدرة ، و لايجب الوفاء به إن خرج عنها ، و كفارته كفارة يمين .
2 ـ نذر المنهي عنه [ سواء كان معصية كنذر شرب الخمر ،أو نذر المرأة صوم أيام حيضها ، أو مكروهًا كنذر صيام أيام التشريق ]
حكمه : لا يجوز الوفاء به ، قال ابن حزم في مراتب الإجماع ( ص 259 الإجماع رقم : 1007 بترقيمي ) : (( و اتفقوا أن من نذر معصية ، فإنه لا يجوز له الوفاء بها .
و اختلفوا أيلزمه لذلك كفارة أم لا . ))
قلت : و فيه الكفارة لتعلق الإيجاب بالنفس عند ابن عباس و ابن مسعود و وعمران بن حصين وسمرة بن جندب رضي الله عنهم ، و هو مذهب الحنفية و هو الراجح .
لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
"لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين» رواه النسائي ( 3834 )، [قال الألباني: صحيح ] .
و عن ابن عباس أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
« من نذر نذرًا لم يسمه فكفارته كفارة يمين
ومن نذر نذرًا في معصية فكفارته كفارة يمين
ومن نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين
ومن نذر نذرًا أطاقه فليف به » رواه أبو داود (3322 )
قال أبو داود : روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي الهند أوقفوه على ابن عباس .
نقل
ـ و ذهب الجمهور المالكية و الشافعية و رواية عن أحمد إلى أنه لا كفارة فيه و هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .
قال الصردفي في المعاني البديعة ( 1 / 414 ) : (( مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وبعض الصحابة والتابعين إذا كان المنذور لأجله معصية لم ينعقد، ولا يلزمه كفارة يمين.
وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وإِسْحَاق ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر يلزمه كفارة يمين. ))
لحديث عائشة - رضي الله عنها - : قالت : سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
« من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه » أخرجه البخاري (6696 ، 6700 ) ، وأبو داود (3289) ، والترمذي (1526) ، والنسائي (3806) ، وابن ماجه (2126) .
ـ و من نذر المعصية النذر للمشاهد و القبور ، و هذا من الشرك الأكبر
ـ و أما النذر للــــــــه عند القبور أو في الأماكن التي يذبح فيها لغير الله فهو من ذرائع الشرك لذا ورد النهي عنه .
عن ثابت بن الضحاك قال : نذر رجل على عهد النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ أن ينحر إبلا ببوانة ، فأتى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فقال : إني نذرت أن أنحر إبلًا ببوانة ؟
فقال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟
قالوا : لا .
قال : هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟
قالوا : لا .
قال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ : « أوف بنذرك ، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم . » حديث صحيح ، رواه أبو داود ( 3313 ) .
و بوانة : هي هضبة من وراء ينبع قريبة من ساحل البحر ، واسم موضع بأسفل مكة ، و الأول هو المراد ، و الله أعلم .
3 ـ نذر المباح ، كأن ينذر المشي أو لبس بعينه و نحوه .
حكمه : لا يجب الوفاء به ، و ليس فيه كفارة على الراجح .
عن ابن عباس قال: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه. » رواه البخاري (6704) ، و أبو داود (3300 ) .
· القسم الثالث : باعتبار اللفظ و هو ينقسم إلى أربعة أقسام إجمالاً :
1 ـ نذر ما لم يسم ( نذر المبهم ) كأن يقول : لله عليَّ نذر ، و لا يسميه .
حكمه : فيه كفارة يمين لحديث ابن عباس السابق .
2 ـ النذر المقيد ، كأن يقول : لله علي نذر كذا ، و يذكر متعلقه سواء طاعة أو منهي عنه أو مباح .
حكمه : حكم متعلقه و قد سبق .
3 ـ النذر المنجز : و صورته في المثال السابق ، وحكمه ، حكم متعلقه كما سبق .
4 ـ النذر المعلق : و صورته أن يقول مثلاً إن حدث كذا فلله عليَّ نذر كذا .
حكمه : مكروه كما سبق ، و يجب الوفاء به إن كان نذر تبرر ( طاعة ) تحت الطاقة و السعة و إلا ففيه كفارة يمين .
· و الخلاصة :
أن النذر الذي يجب الوفاء به : نذر الرضى للقُرَبِ التي تحت الوِسعِ سواءً كان منَجَّزاً أو معلقاً ، فإن طرأ عليه ما يعجزه عن الوفاء كمرض لا يرجى برؤه أو شيخوخة أو نحوها ، فكفارته كفارة يمين .
وعدم الوفاء بالنذر محرم قال تعالى : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين (75) فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون (76) فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون (77) ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب (78) } سورة التوبة .
· مراتب التزام الطاعة :
و مراتب التزام الطاعات غير الواجبة بأصل الشرع أربع ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين
( 2 / 86 ) : ((الملتزم الطاعة لله لا يخرج التزامه لله عن أربعة أقسام:
أحدها: التزام بيمين مجردة.
الثاني: التزام بنذر مجرد.
الثالث: التزام بيمين مؤكدة بنذر.
الرابع: التزام بنذر مؤكد بيمين.
فالأول : نحو قوله: " والله لأتصدقن " .
والثاني : نحو: " لله علي أن أتصدق ".
والثالث : نحو: " والله إن شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا ".
والرابع : نحو: " إن شفى الله مريضي فوالله لأتصدقن " وهذا كقوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} التوبة: 75 .
فهذا نذر مؤكد بيمين . ))
قلت : فالأول يمين يخير فيها بين الوفاء و الكفارة .
قال ابن القيم في الموضع السابق ( 2 / 87 ) : ((وأما إذا حلف يمينًا مجردة ليفعلن كذا فهذا حض منه لنفسه، وحث على فعله باليمين، وليس إيجابًا عليها، فإن اليمين لا توجب شيئًا ولا تحرمه، ولكن الحالف عقد اليمين بالله ليفعلنه، فأباح الله سبحانه له حل ما عقده بالكفارة.
ولهذا سماها الله تحلة، فإنها تحل عقد اليمين، وليست رافعة لإثم الحنث كما يتوهمه بعض الفقهاء.
فإن الحنث قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًا، فيؤمر به أمر إيجاب أو استحباب، وإن كان مباحًا، فالشارع لم يبح سبب الإثم، وإنما شرعها الله حلاً لعقد اليمين كما شرع الله الاستثناء مانعًا من عقدها؛ فظهر الفرق بين ما التزم لله وبين ما التزم بالله . ))
و الثلاثة الباقية من النذر و بعضها آكد من بعض فأسهلها الأول ، و آكدها الثالث .
هذا ما يسره الله فإن كان صوابًا ففضل من الله ، و إن كان خطأ فمني و من الشيطان و الله و رسوله بريئان منه ، و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل .
عارض الجهل
الجزء الأول :
هذا البحث جزء من كتابي : مباحث الحكم الشرعي : تأصيلاً و تطبيقًا
وقد عرضت له عند حديثي عن أركان الحكم الشرعي و شروط كل ركن منها، و عوارضه (عوارض الشرط ) فالجهل من عوارض العلم .
والعلم شرط في المكلف، حتى يصح توجيه الخطاب له، و الشروط التي يجب قيامها في المحكوم عليه ( المكلف ) حتى يصح توجيه خطاب التكليف إليه سبعة شروط اجمالاً هي :
دعم وتطوير حلول سوفت | |