لا تكفير لمعين من الجاهلين إلا بقيام الحجة الشرعية
قال شيخ الإسلام أبو العباس ، تقي الدين ، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ـ النميري العامري ـ المعروف بـ : ابن تيمية الحراني ـ رحمه الله تعالى ـ الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ) في " جامع المسائل " تحقيق : محمد عزيز شمس (3 / 151 ):
• وهذا الشركُ إذا قامت على الإنسان الحجةُ فيه ولم يَنتهِ
ـ وَجَبَ قتلُه كقتلِ أمثالِه من المشركين
ـ و لم يُدفَنْ في مقابرِ المسلمين
ـ و لم يُصَلَّ عليه.
• و إمَّا إذا كان جاهلاً لم يَبلُغْه العلمُ ، و لم يَعرِف حقيقةَ الشرك الذي قاتلَ عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المشركين، فإنه لا يُحكَم بكُفْرِه
ـ و لاسِيَّما وقد كَثُر هذا الشركُ في المنتسبين إلى الإسلام
ـ و من اعتقدَ مثلَ هذا قُربةً و طاعةً فإنه ضَالٌّ باتفاقِ المسلمين، و هو بعد قيامِ الحجة كافر.
و الواجبُ على المسلمين عمومًا وعلى وُلاةِ الأمور خصوصًا النهيُ عن هذه الأمور
و الزَّجْرُ عنها بكلِّ طريق، وعقوبةُ مَن لم ينتهِ عن ذلك العقوبةَ الشرعيةَ، والله أعلم.
أقسام الجهال ، و تنوع أحكامهم
قال شيخ الإسلام أبو عبد الله ، شمس الدين ، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي الزُّرعي الدمشقي الحنبلي ، المعروف بـ : ابن قيّم الجوزية (المتوفى: 751هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ في " الطرق الحكمية " (ص 255 ) :
(( فأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام و لكنهم مخالفون في بعض الأصول :
كالرافضة ، و القدرية ، و الجهمية ، و غلاة المرجئة ، و نحوهم فهؤلاء أقسام :
أحدها : الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له ، فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته
ـ إذا لم يكن قادرًا على تعلم الهدى
ـ و حكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء و الولدان الذين لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلًا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوًا غفورًا .
القسم الثاني : المتمكن من السؤال ، و طلب الهداية ، و معرفة الحق ، و لكن يترك ذلك اشتغالًا بدنياه ، و رياسته ، و لذته ، و معاشه ، و غير ذلك
ـ فهذا مفرط مستحق للوعيد
ـ آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته
ـ فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات
ـ فإن غلب ما فيه من البدعة و الهوى على ما فيه من السنة و الهدى ردت شهادته
ـ و إن غلب ما فيه من السنة و الهدى قبلت شهادته
القسم الثالث : أن يسأل و يطلب و يتبين له الهدى ويتركه تقليدًا وتعصبًا أو بغضًا أو معاداة لأصحابه
ـ فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقًا
ـ و تكفيره محل اجتهاد وتفصيل
ـ فإن كان معلنًا داعية ردت شهادته ، و فتاويه و أحكامه مع القدرة على ذلك
ـ و لم تقبل له شهادة ولا فتوى ولا حكم إلا عند الضرورة
ـ كحال غلبة هؤلاء و استيلائهم
ـ و كون القضاة ، و المفتين ، والشهود منهم ففي رد شهادتهم ، و أحكامهم إذ ذاك فساد كثير ، ولا يمكن ذلك فتقبل
للضرورة . ))
الرخص المتعلقة بالسفر
قال النووي في المجموع شرح المهذب ( 1 / 507،508 ) :
(( قال أصحابنا : الرخص المتعلقة بالسفر ثمان :
ـ ثلاث تختص بالطويل وهي : القصر ، والفطر في رمضان ، ومسح الخف ثلاثة أيام .
ـ وثنتان تجوزان في الطويل والقصير وهما : ترك الجمعة وأكل الميتة
ـ وثلاث في اختصاصها بالطويل قولان وهي : الجمع بين الصلاتين ، وإسقاط الفرض بالتيمم ، وجواز التنفل على الراحلة .
ـ والأصح اختصاص الجمع بالسفر الطويل دون الآخرين . ))
قلت : و السفر الطويل عندهم 90 كم تقريبًا ، و هما مرحلتان ، و المرحلة ما بين 40، و 45 كم تقريبًا بالاستقراء .
و السفر القصير ما دون ذلك القدر .
قال النووي : (( المراد بالمسافر الذي يمسح ثلاثة أيام ولياليهن المسافر سفرًا طويلًا ، وهو السفر الذي تقصر فيه الصلاة وهو ثمانية وأربعون ميلًا بالهاشمي ، وقدره بالمراحل مرحلتان قاصدتان . )) انتهى الغرض منه .
قلت :
و تقسيم السفر إلى طويل و قصير فيه نظر ، و ليس عليه دليل ناهض و الله أعلم .
إسقاط النبلاء ، نيل من الشرع
إذا عرف الرجل بالعلم و الدين فلا عبرة بذم :
ـ جاهل .
ـ و لا صاحب هوى .
و إذا عرف الرجل بالبدعة أو الفجور فلا عبرة بمدحهم و لا تعديلهم .
و إنما تنحصر فتوى الجرح و التعديل في صاحب علم و ورع خال من هوى و تعصب .
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 14 / 344 ، 345 ) :
(( ما من إمام كامل في الخير إلاَّ و ثمَّ أُناسٌ من جهلة المسلمين و مبتدعيهم يذمونه ويحطون عليه
وما من رأس في البدعة و التجهم و الرِّفض إلاّ وله أناس ينتصرون له ويذبون عنه
وإنما العبرة بقول جمهور الأمة الخالين من الهوى والجهل المتصفين بالورع والعلم. ))
و قال " المصدر السابق " (5/271) :
(( ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، و علم تحريه للحق، و اتسع علمه، و ظهر ذكاؤه، و عرف صلاحه و ورعه و اتباعه، يغفر له زلله، و لا نضلله و نطرحه، و نرجو له التوبة من ذلك)).
و قال " المصدر السابق " ( 14/376 ) :
(( و لو أن كل من أخطأ في اجتهاده ـ مع صحة إيمانه و توخيه لاتباع الحق ـ أهدرناه و بدعناه، لقل من يسلم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمنه و كرمه )).
و قال " المصدر السابق " (16/285) :
(( و إنما يمدح العالم بكثرة ما له من الفضائل
فلا تدفن المحاسن لورطة
و لعله رجع عنها
و قد يغفر باستفراغه الوسع في طلب الحق، و لا قوة إلا بالله )).
الوعيد لا يلحق المعين إلا بقيام الشروط و انتفاء الموانع
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 23/195 ) :
(( وحقيقة الأمر في ذلك : أن القول قد يكون كفرا ، فيطلق القول بتكفير صاحبه
ويقال : من قال كذا فهو كافر ، لكن الشخص المعين الذي قاله لايحكم بكفره ، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها
وهذا كما في نصوص الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى يقول : ((إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا )) .
فهذا أو نحوه من نصوص الوعيد حق ، لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد ، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز ألا يلحقه الوعيد لفوات شرط ، أو ثبوت مانع ، فقد لا يكون التحريم بلغه ، وقد يتوب من فعل المحرم ، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو ذلك المحرم ، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه ، وقد يشفع فيه شفيع مطاع .
وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها :
ـ قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق
ـ وقد تكون عنده ولم تثبت عنده
ـ أو لم يتمكن من فهمها
ـ وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها
فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ ، فإن الله يغفر له خطأه – كائنا ما كان – سواء كان في المسائل النظرية ، أو العملية ، هذا الذي عليه أصحاب النبي ـ صلى الله علي وسلم ـ وجماهير أئمة الإسلام )) .
دعم وتطوير حلول سوفت | |